للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وفاته:

قيل: إنَّه رَجَع عن القولِ بخلق القرآن، وتابَ قبل موته.

وقال إبراهيم بن أسباط: أُبْلِغَ ابنُ أبي دؤاد أنَّ رجلًا من أهل أَذَنَة يناظرُ في القرآن، ويقيمُ الأدلَّة على قِدَمِه فقال: يا أميرَ المؤمنين إنَّ رجلًا بأَذَنَة يقال له: عبد الله بن محمد الأَذْرَميّ يناظرُ في القرآن، فبعثَ به إليه، فجلس الواثقُ مجلسًا عامًّا، وحضرَ ابنُ أبي دؤاد والعلماءُ والأشراف، ودَخلَ الرجل فقال: سلامٌ عليكم، فقال الواثق: لا سلَّم الله عليك، فقال الرجل: ما أحسن ما أدَّبك مؤدِّبُك! قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] فوالله ما حييتني بها ولا بأحسنَ منها، فخجلَ الواثقُ، ثم قال الواثق لابن أبي دؤاد (١): يا أحمد، هذا الذي تدعو الناس إليه أشيءٌ علمَه رسول الله ، أو لم يعلمه؟ فإن كان علمه، فهلَّا دَعَا الناسَ إليه، وإن قلت: ما علمَه، فقد نسبتَه إلى الجهل، وكذا الخلفاء بعدَه، فقال ابنُ أبي دؤاد: عَلِمُوه، ولم يدعوا الناس إليه، فقال الرجل: أفلَا يسعُكم ما وسِعَهم؟ فانقطعَ ابنُ أبي دؤاد، وقام الواثقُ ودخل مجلسَه واستلقَى على ظهره، ثم جعل يردِّدُ كلامَ الشيخ، ثم استدعَى به، فحلَّ عنه قيوده، وأعطاهُ أربعَ مئة دينار، وردَّهُ إلى أهلِه مكرمًا، فاستدلَّ الناس بذلك على رجوع الواثق (٢).

وقال صالح بن [علي بن] (٣) يعقوب الهاشميّ: حضرتُ مجلسَ المهتدي بالله، وقد جلسَ للمظالم في دار العامَّة، فقرأَ القصَص ووقَّع عليهم بأسرها، فسرَّني ذلك منه، وجعلت أنظرُ إليه، ففطنَ وقام، ثم استدعاني وقال لي: يا صالح، حَدِّثني ما دارَ في خَلَدِك، أو أحدثك، فقلت: أمير المؤمنين يرى، فقال: إنك (٤) استحسنت ما رأيتَ منِّي، وقلت في نفسك: أيُّ خليفةٍ خليفتُنا، لو لم يقل بخلق القرآن. فقلت: الصدقُ أنجَى، هو ذاك. فقال: قد كنتُ أقولُ ذلك صدرًا من أيام الواثق حتى قدم على أحمد


(١) كذا في (خ) و (ف) فلعله وقع سقط أو تحريف، فالقائل هو الشيخ.
(٢) انظر القصة مختصرة في فوات الوفيات ٤/ ٢٢٩ - ٢٣٠، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٣٠٨، وتاريخ الخلفاء ص ٣٤١ - ٣٤٢. وفيها أنه أعطاه ثلاث مئة دينار.
(٣) ما بين حاصرتين من مختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٤٢.
(٤) في (خ) و (ف): إن. والمثبت من مختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٤٣، وانظر سير أعلام النبلاء ١٠/ ٣٠٩.