للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: لا، قال: فما بالي (١) أقومُ بسائر العلوم قيام أهلِها، وأنسب إلى فنٍّ واحد قد اقتصر الناس عليه؟! يعني الغناء.

فالتفتَ ابنُ أكثم إلى العَطَوي، فقال: جوابُه عليك، فقال العطوي: يا أبا محمد، أنت في النحو كالفرَّاء والأخفش؟ قال: لا، [قال:]: ففي اللغة والشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال: لا، قال: ففي الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان (٢)؟ قال: لا، قال: ففي الشعر كأبي نواس وأبي العتاهية؟ قال: لا، قال: ففي الفقه كالقاضي؟ قال: لا، قال: فمن هاهنا نُسِبت إلى ما نسبتَ إليه؛ لأنَّه لا نظيرَ لك فيه، وأنت في غيره دون أهله. فضحكَ وقام، وقال ابن أكثم للعطوي: أحسنت.

وقال الصوليُّ: كان لإسحاق غلامٌ اسمه فتح يستقي الماء لأهلِ داره على بغلٍ دائمًا، فقال له يومًا: يا فتح أَيشٍ خبرُك، فقال: ما في هذه الدار أشقَى مني ومنك، أنت تطعمهم الخبز، وأنا أسقيهم الماء، فضحك إسحاق، وعتقه ووهبه البغل.

وقال إسحاق: أنشدتُ هارون الرشيد: [من الطويل]

وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقْصِري … فذلكَ شيءٌ ما إليه سبيلُ

الأبيات فأعطاني مئة ألف درهم (٣).

وكان ابن الأعرابيِّ يصفُ إسحاق ويقول: هل سمعتم أحسنَ من ابتدائه في قوله: [من الخفيف]

هل إلى أن تنامَ عيني سبيلُ … إنَّ عهدي بالنوم عهدٌ طويلُ

هل تعرفون من شكا نومه بمثل هذا اللفظ الحسن؟ (٤)

وقال أبو الفرج الأصفهاني: كان إسحاق سأل الله أن لا يميتَه بعلَّة القُوْلَنْج لِمَا رأى


(١) في (خ) و (ف): أبالي. والمثبت من تاريخ بغداد ٧/ ٣٥٩.
(٢) في (خ) و (ف): وابن القطان. وهو تصحيف. والتصويب من تاريخ بغداد. وأبو اليقظان هو عامر بن حفص، يلقب بسُحيم، عالمٌ بالإنساب، له كتبٌ منها: أخبار تميم، وكتاب النسب الكبير، توفي سنة ١٩٠ هـ. الأعلام ٣/ ٢٥٠.
(٣) انظر الأغاني ٥/ ٣٢٢.
(٤) تاريخ بغداد ٧/ ٣٦٠.