للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الوليد، وقال له: ما ليحيى يشكوك ويقول: إنَّك لا تنفذُ أحكامه؟ فقال: سألتُ عنه بخراسان فلم يُحمد أثره في بلده، ولا في جواره، فصاح به المأمون: اخرج، فخرجَ، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، قد سمعت ما قال فاصرفه، فقال: ويحكَ يا يحيى، هذا لم يراقبني فيك مع علمه بمنزلتك عندي، أصرفهُ؟! لا والله.

وكان بِشْرٌ جوادًا ممدَّحًا، مدحه ربيعةُ بن ثابت الرَّقِّيّ فقال: [من مجزوء الكامل]

بشرٌ يجودُ بماله … جودَ السحابة بالدِّيمْ

فكأنَّه البدرُ المنيـ … ـرُ إذا بدا جَلَّى الظُّلَمْ

وكأنَّه البحرُ المحيـ … ـطُ إذا تقاذفَ والتَطَمْ

وكأنَّه زهرُ الربيع … إذا تفتَّح أو نجَمْ

ختمَ الإله لبشرنا … بالخير منه إذا ختم (١)

وكان يجري في مجالس سفيان بن عُيينة مسائلُ، فيقول: سَلُوا بِشْرَ بن الوليد.

وقال أبو قدامة: لا أعرفُ ببغدادَ إلَّا من أعان (٢) على أحمد بن حنبل ما خلا بشر بن الوليد.

سعى به رجلٌ إلى المعتصم بأنَّه لا يقولُ بخلق القرآن، فحبسَه في بيته، ونهاه عن الفتيا، فلمَّا وَلي المتوكِّلُ أطلقَه، ثم أشكلَ عليه في آخرِ عمره القرآن، قال: أقول بالوقوف، فأمسكَ أصحابُ الحديثِ عنه.

وعاشَ سبعًا وتسعين سنةً، ويقال: إنه تغَيَّر وفُلج، وتوفي في ذي القعدة ببغداد، ودفن عند أبي حنيفة، وقيل: بباب الشام.

سمعَ خلقًا كثيرًا منهم مالك بن أنس، وروى عنه البغويُّ وغيره، واتَّفقوا على فضله وثقته ودينه وصدقه (٣).


(١) تاريخ بغداد ٧/ ٥٦٤.
(٢) في (خ) و (ف): أعاد. والتصويب من تاريخ بغداد ٧/ ٥٦٥. ونص قول ابن قدامة عنده كالتالي: لا أعلم ببغداد رجلًا من أهل الأهواء من أهل الرأي والرافضة، إلا كانوا معينين على أحمد بن حنبل، ما خلا بشر بن الوليد الكندي، رجل من العرب.
(٣) انظر ترجمته أيضًا في المنتظم ١١/ ٢٦٠، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٦٧٣.