للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمشيتُ فرسخين ورجلي متعلِّقةٌ به، فرآهُ بعضُ النَّاس فنزعه عني، فلمَّا عُدت من الحج جعلتُ طريقي على بِسْطام، فدخلتُ على أبي يزيد، فابتدأني وقال لي: الحالُ الذي وردَ عليك بطريق مكَّة، كيف كان حكمُك فيه مع الله تعالى؟ قلت: أردتُ أن لا يكون لي فيه مع الله اختيار، فقال: يا فضوليّ، قد اخترتَ كلَّ شيء حيثُ كانت لك إرادة.

وقال ابن خضرويه: القلوبُ جوَّالةٌ، فإمَّا أن تجول حولَ العرشِ، وإمَّا أن تجولَ حول الحشّ.

وقال: الصبرُ زاد المضطرين، والرضا درجةُ العارفين.

وقال له رجلٌ: أوصني، قال: أمتْ نفسَك حتى تحييها.

وقال: لا نومَ أثقلُ من الغفلة، ولا رقَّ أملكُ من الشهوة، ولولا ثقلُ الغفلة لم تظفر بك الشهوة.

وسُئِل: أيُّ الأعمالِ أفضل؟ فقال: رعايةُ السر عن الالتفات إلى غير الله.

وقال: في الحريَّة تمامُ العبوديَّة، [و] (١) في تحقيقِ العبودية تمامُ الحرية.

وقال: القلوب أوعيةٌ، فإذا امتلأت من الحقِّ ظهرت بزيادة أنوارها على الجوارح.

وقال: من أراد أن يكونَ مع الله، فليلزم الصدق، فإنَّ الله مع الصادقين.

وقال: رأيتُ ربَّ العزَّة في المنام فقال: يا أحمد، كل الناس يطلبون مني إلَّا أبا يزيد، فإنَّه يطلبني.

وقال محمد بن حامد: كنتُ جالسًا عند ابن خضرويه، وهو في النزع، وكانت قد أتت عليه خمسٌ وتسعون سنة، فسُئِل عن مسألة، فدمعت عيناه وقال: يا بني، بابٌ كنت أدقُّه خمسًا وتسعين سنة هو يفتح في الساعة، لا أدري أيُفتح بالسعادة أو بالشقاوة، فأنَّى لي بالجواب؟ وكان قد ركبه من الدين سبع مئة دينار، وحضره غرماؤه، فنظرَ إليهم وقال: إنَّك جعلت الرهونَ وثيقةً لأرباب الأموال، وأنت تأخذُ عنهم وثيقتهم، فأدِّ عنِّي، فدَقَّ داقٌّ الباب وقال: أين غرماء أحمد بن خضرويه، فخرجُوا إليه


(١) ما بين حاصرتين من طبقات الصوفية ص ١٠٤، ومناقب الأبرار ١/ ٢٦٧.