للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال لهما: أنتما من أجلِّ النصارى، وعبدُ الله بن المبارك شيخُ الدنيا من المشرق إلى المغرب، فإذا أسلمتُما على يده كان ذلك أعظمَ عند المسلمين، وأرفع لكما، وكان ابن المبارك في الحجّ، فانصرفا عنه، ومرض الحسين فمات [على نصرانيته] قبل رجوع ابن المبارك من الحجّ، فلما قدم ابن المبارك أسلمَ الحسن على يده (١).

[قلت: وقد أخطأ حفصُ بن عبد الرحمن بتأخير إسلام الحسين حتَّى مات على نصرانيته؛ لأنَّ الإسلامَ لا يؤخَّرُ احترازًا عن مثل هذا (٢).

ولمَّا أسلم الحسن] طلب العلم ورحلَ في طلبِ الحديث، ولقيَ الشيوخ.

وروي أنَّ ابن المبارك رأى الحسنَ يومًا راكبًا، فقال: من هذا الشاب؟ فقالوا: نصراني، فقال: اللهمَّ ارزقهُ الإسلام، فاستجاب الله دعوته فيه (٣)، فأسلمَ على يده. وكان يقالُ له: مولى عبد الله بن المبارك.

[واشتغل بالحديث والعلم] وكان ديِّنًا ورعًا عفيفًا ثقةً، ولم يزل من عقبِه محدِّثون وفقهاء بنَيسابور.

[قال الخطيب:] قدم [الحسن] بغداد، فجلس بباب الطَّاق، وجلسَ الأئمَّة في مجلسه، وكان في مجلسه بضعة عشر ألفَ محبرة (٤).

[قال:] وخرجَ حاجًّا في سنة أربعين ومئتين، فتوفي بالثعلبية عند رجوعه [من الحج] في صفر، وأنفقَ في هذه الحجَّة ثلاث مئة ألف درهم، و [كان] قبره يزار (٥) ظاهر الثعلبية، وعليه مكتوب: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الآية [النساء: ١٠٠] هذا قبر الحسن بن عيسى النيسابوري (٦).


(١) تاريخ بغداد ٨/ ٣٣٣.
(٢) قال الذهبي في السير ١٢/ ٢٨: يبعد أن يأمرهما حفصٌ بتأخير الإسلام، فإنه رجل عالم، فإن صح ذلك فموت الحسين مريدًا للإسلام، منتظرًا قدوم ابن المبارك ليُسلِم نافعٌ له.
(٣) تاريخ بغداد ٨/ ٣٣٣.
(٤) في تاريخ بغداد ٨/ ٣٣٤: اثنا عشر ألف محبرة.
(٥) لفظه: يزار. ليست في (ب) و (ف).
(٦) تاريخ بغداد ٨/ ٣٣٥ - ٣٣٦.