للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأحضرَها وخرج بعد أن وزنَها وختمَها، فلمَّا خرج فتحتُها، وفرَّقتُها في المعاملين، وقلت: إذا عاد قضيتُه، وإلى أنْ يعود يفرِّج الله، واتَّسعتُ بها، وزال ضيقي، وأنا لا أشكُّ في خروج الخراساني إلى الحج، فلمَّا كان من الغد وإذا به على الباب، فدخل وقال: إنِّي كنتُ عازمًا على الحجّ على ما عَرَّفتُك، فوردَ عليَّ الخبرُ بوفاة والدي، وقد عزمتُ على الرجوع إلى خراسان، وأريدُ المال، قال: فوردَ عليَّ أمرٌ لم يرد (١) عليَّ مثلُه أقط،، وتحيَّرتُ ما أقول له؟ فخطرَ لي أن قلت له: إنَّ منزلي هذا ليس بحرز، ولمَّا أخذتُ المال منك، بعثتُ به إلى مكان حريز، فتعودُ في غدٍ [لتأخذه]، فانصرف، وبقيتُ متحيِّرًا لا أدري كيف أصنع [إن جحدته استحلفني وافتضحت، وإن دافعتُه صاحَ وهتكني]، وبقيت (٢) ليلتي لم أعرف الغمضَ [فيها]، فلمَّا طلعَ الفجر ركبتُ بغلتي وأطلقتُ عنانَها، ولا أدري أين أتوجَّه، فعبرَت في الجسر، وأنا لا أمنعُها، وأخذَتْ بي نحوَ دار المأمون، وإذا بفارسٍ قد تلقَّاني، والدُّنيا بعد ظلمة، فنظرَ في وجهي، ثم مضى وتركني، ثمَّ رجع وقال: ألستَ الزيادي؟ قلت: بلى، قال: أجب الأميرَ الحسن بن سهل، [فقلتُ في نفسي: وما يريدُ الحسن منِّي؟] فسرتُ معه حتى دخلنا عليه وهو جالس، فقال: أبا حسان، ما خبرُك، وما حالك، ولم انقطعت عنا؟ فأخذتُ أعتذر [إليه بأسباب] (٣)، فقال: دع عنك هذا، فإنِّي رأيتك البارحة في النوم وأنتَ في تخليطٍ كثير، فشرحتُ له حالي وحديثَ الخراسانيّ، فقال لي: قد فرَّجَ الله عنك، فهذه بدرةٌ للخراسانيِّ، وبدرةٌ تتَّسعُ بها، وإذا نفدت أعلمنا حتى نوسِّع عليك. فقبضتُ البدرتين، وقضيتُ الخراسانيَّ، واتَّسعتُ، وفزَج الله تعالى (٤).

توفِّي أبو حسَّان في رجب، وله تسعٌ وثمانون سنة، وأسندَ عن الوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، وغيرهما، وروى عنه الباغَنْديُّ وغيره، وكان صدوقًا ثقةً (٥).


(١) في (خ): لم يكن يرد.
(٢) في (ب): وبت. وما سلف بين حاصرتين منها.
(٣) في (خ) و (ف): في الأسباب. والمثبت من (ب).
(٤) تاريخ بغداد ٨/ ٣٤٢ - ٣٤٤. وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٥) انظر ترجمته أيضًا في سير أعلام النبلاء ١١/ ٤٩٦.