للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آلاف فصاعدًا إلى عشرة آلاف، أما الألوف فجمعٌ كثير، وجمع القليل آلاف مثل يوم وأيام ووقت وأوقات، وقال ابن زيد: معنى "ألوف" أي: مؤتلفون، والآية مطلقة، وهذا يدل على ما ذكرناه (١).

قال مقاتل ووهب والسُّدي: فمرَّ بهم حِزقيل، وغيرهم يقول: شمعون، والأول أصحٌّ، فوقف ينظر إلى عظامهم ويتفكَّر فيهم ويتعجب. فأوحى الله إليه: يا حزقيل، أتريد أن أريك آية؟ فقال: نعم - وفي رواية أن حِزقيل سأل ذلك فقال: يا ربِّ، لو أحييتَ هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك - فقال الله تعالى: نادهم، فناداهم: أيتها العظام البالية، إنَّ الله يأمركِ أن تكتسي اللحم فاكتست، ثم نادى. أيتها الأرواح، إنَّ الله يأمرك أن تعودي إلى أجسادك، فقاموا جميعًا وعليهم الثياب التي ماتوا فيها (٢). قال: فعاشوا دهرًا وسَحْنةُ الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبًا إلا عاد دسمًا مثل الكفن، حتى ماتوا لآجالهم التي كتب الله لهم، وإنَّ رائحتهم لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود.

فإن قيل: فكيف أثبت لهؤلاء موتتين في الدنيا والله يقول: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦]؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن موتتهم كانت عقوبةً لا بفناء أعمارهم، فصار كقوله. ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢]. والدليل على أنه كان عقوبة ما حكاه هلال بن ساقة قال: كانت أمة من بني إسرائيل إذا وقع الطاعون فيهم خرج أولياؤهم وقام فقراؤهم، وصاروا عظامًا تبرق، وكنسهم أهل البيوت عن بيوتهم وطرقهم (٣). وهذا يدل على طول المدَّة لا أنَّهم أقاموا سبعة أيام أو ثمانية.

والجواب الثاني: أن إحياءهم كان آية من آيات حِزقيل، وآيات الأنبياء نوادر ولا يقاس عليها، فيكون تقدير قوله: ﴿إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] التي ليست من آيات الأنبياء وإظهار معجزاته.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٥٣ - ٢٥٤.
(٢) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ٤٥٨. وانظر "عرائس المجالس" ص ٢٥٤.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٩.