للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعادوا، فأخذوا المعتزَّ وأدخلوه في بيت، وأغلظوا له، وأغلقوا عليه الباب.

قال المؤيَّد: فقلت لهم: يا كلاب، ضَرِيتُم على دمائِنا تثبون على مولاكم هذا الوثوب! اغربوا، قبحكم الله، ودعوني حتى أكلمه، فقالوا: افعل، قال المؤيَّد: فدخلت عليه، فقلت: يا جاهل، قد رأيتَ ما جرى على أبيك، وأنت أقربُ إلى القتل، اخلع ويلك ولا تراجعهم، فقال: سبحان الله، أمر قد مضى في الآفاق، أخلعُه من عنقي! فقلت: اخلع نفسك فإن كان في السابق أن تليَ لَتليَنْ، فأجاب، فخرجتُ إليهم وقلتُ لهم: قد أجاب، فجزوني خيرًا.

ثم كتبوا كتاب الخلع، ومضوا به إلى المنتصر، فلمَّا وقفَ عليه استدعانا إلى مجلس العامَّة، والناس على مراتبهم، فسلَّمنا، فردَّ السلام، فأمرنا بالجلوس، وقال: هذا كتابكما؟ فقلت: نعم، وسكت المعتز، فقلت: تكلَّم، فتكلَّم بمثل ما تكلمت، وقلت: هذا كتابٌ بمسألتنا ورغبتنا وضعفنا عن هذا الأمر، وأنَّه لا يحلُّ لنا أن نتقلَّده، وكرهنا أن يأثمَ المتوكِّل بسببنا، إذ لم نكن له موضعًا، فأقبل علينا والأتراكُ وقوف، فقال: أتراني خلعتُكما طمعًا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له، والله ما طمعتُ في ذلك ساعة واحدة قطّ، وإذا لم يكن لي فيها طمع، فوالله لئن يليَها بنو أبي أحبُّ إلي من أن يليها بنو عمي، ولكن هؤلاء -وأومأ إلى سائر الموالي ممن هو قائم على رأسه وقاعد- ألحُّوا عليَّ في خلعكما، فخفتُ إن لم أفعل أن يعترضكما بعضُهم بحديدةٍ، فيأتي عليكما، فما ترياني صانعًا! أقتله؟ فوالله ما تفي دماءهم كلِّهم بدم بعضكما، فكانت إجابتُهم إلى ما سألوا أسهلَ عليَّ، فأكبا عليه، فقبَّلا يديه، فضمَّهُما إليه، وانصرفا.

وكان حاضرًا قبل الخلع (١) جعفر بن عبد الواحد قاضي القضاة، وبنو هاشم، وأعيان القواد، ومحمد بن عبد الله بن طاهر، ووصيف، وبغا الكبير، وبغا الصغير، ولم يتخلَّف منهم أحدٌ، ونسخته عن لسان المعتزِّ والمؤيد:

أمَّا بعد، فإنَّ المتوكِّل قلدني هذا الأمر، وأنا صغير، من غير إرادتي، وبايع لي،


(١) في تاريخ الطبري ٩/ ٢٤٦ أنهما قاما بالخلع على رؤوس المذكورين.