للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخضرة؟ فقال: إنَّ القلوبَ إذا غاصت فِي بحار الفكر غشيت الأبصار، فإذا نظرَتْ إلى الخضرة عاد إليها نسيمُ الحياة (١).

قال:] وقال [سريّ:] صحبتُ رجلًا من أهل سرَّ من رأى يعرف بالواله سَنةً، فلم أسأله [عن] مسألة، فقلت له يومًا: أيشٍ المعرفة التي [ليس] فوقها معرفة؟ [فـ] قال: أن تجدَ الله أقرب إليك من كلِّ شيء، وأحبَّ إليك من كلِّ شيء، وأن تمحوَ من باطنك وظاهرك كل شيءٍ غيره. [قال:] فقلت: فبأيِّ شيء أتوصَّل إلى ذلك؟ قال: بزهدك فيك، ورغبتك فيه. [قال:] وكان ذلك سببًا لانتفاعي بهذا الأمر.

[وحكى عنه فِي "المناقب" قال:] (٢) بتُّ ليلةً فِي بعض قرى الشام، فسمعت طائرًا يصيحُ طول الليل: أخطأتُ ما أعود، فسألتُ أهلَ القرية عنه، فقالوا: هذا يقالُ له: فاقدُ إلفه.

[وحكى أيضًا عن سريٍّ قال:] بينا أنا سائرٌ فِي الشام، إذ مِلْتُ عن الطريق، فإذا بعابدٍ على رأس جبل، فوقفتُ عليه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي وقد توعَّرَ الطريق، وقلَّ السالكون له، وهُجِرت أعمالُ القُرَب، وقلَّ الراغبون فيها، ورُفضَ الحقُّ، ودرسَ هذا الأمرُ، فلا أراه إلَّا فِي لسان كلِّ بطَّال؛ ينطقُ بالحكمة، ويفارق الأعمال، قد افترشَ الرُّخصَ، وتمهَّد التأويل، ثمَّ صاح وقال: آه، كيف سكنت قلوبُهم إلى راحة الدنيا، وانقطعت عن روح الملكوت الأعلى؟ ثمَّ ولَّى صارخًا وهو يقول: واغمَّاه من فتنة العلماء، واكرباه من حيرة الأدِلَّاء، ثمَّ جال جولةً وقال: أين الأبرارُ من العُبَّاد؟ أين الأخيارُ من الزُّهَّاد، ثمَّ بكى وقال: شغلهم والله ذكرُ طول الوقوف وهمُّ الجواب عن ذكر الجنَّة والنار والثواب والعقاب، ثمَّ قال: وأنا فأستغفرُ الله من شهوة الكلام، تنحَّ عني [يا سريّ، فخليتُه] وقد مُلِئتُ منه رعبًا (٣).

[وفي رواية: فتنحينا منه، وقد ملئنا .. وذكره.


(١) مناقب الأبرار ١/ ١٥٦.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال سري. والكلام مع الخبر الذي قبله فِي مناقب الأبرار ١/ ١٥٨ - ١٥٩.
(٣) كذا، وفي مناقب الأبرار ١/ ١٦٢، وصفة الصفوة ٤/ ٣٦٠: وقد ملئنا منه غمًّا وهمًّا.