للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظهر، فصلَّينا ولم يصلِّ الجاحظ، وجاء العصر ولم يصلِّ، وقام الجاحظُ لينصرف، فقال لصاحب المنزل: إنِّي لم أصل لمذهبٍ أخبركَ به، فقال له الرجل: ما أظنُّ لك في الصَّلاة مذهبًا إلَّا تركها.

وحكى ابن عساكر عنه أنَّه قال: رأيتُ جاريةً سوداء ببغداد في سوق النخَّاسين ينادى عليها، قال الجاحظ فقلت لها: ما اسمك؟ قالت: مكَّة، فقلت: قد قرَّب الله الحجّ، أتأذنين لي أن [أقبل الحجر] (١) الأسود؟ فقالت: ألم تسمع إلى قوله تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧]؟

وحكى ابن عساكر أيضًا عن الجاحظ عن ثُمَامة بن أشرس قال: قدَّمَ رجلٌ خصمًا له إلى بعض الولاة، فقال: هذا خصمي ناصبيٌّ، رافضيٌّ، جهميٌّ، مشبهيٌّ، يشتمُ الحجاج بن الزبير [الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان] (٢)، ويلعن معاوية بن أبي طالب، فقال له الوالي: ثكلتك أمك، ما أدري ممَّ أعجب، من معرفتك بالإنساب، أو من معرفتك بالمقالات؟! فقال: ما خرجتُ من الكتَّاب حتى تعلمتُ هذا كلَّه، قال: صدقت.

ذكر نبذة من كلامه:

قال الجاحظ: المكافأة على الإحسان فريضة، والتفضُّلُ ابتداءً نافلةٌ.

و: العقلُ والهوى ضدَّان، فقَرِينُ العقل التوفيق، وقَرِينُ الهوى الخِذْلان.

وقال: القلوبُ أوعيةٌ، والعقولُ معادن، وما في الوعاء ينفد إنْ لم يمدّه المعدن.

وقال: الأشخاصُ كالأشجار، والحركاتُ كالأغصان، والألفاظُ كالثمار.

وقال: كفى بالتجارب تأديبًا، وبتقلُّبِ الأيام عظةً، وبالأخلاق ممن عاشرتَ معرفةً، وبالموتِ زاجرًا.

وقال: النظر في العواقب أوَّلُ الاستعداد للنوائب.


(١) في (خ) و (ف) بياض، وفي (ب): أن أقبل الأسود. والمثبت بين حاصرتين من تاريخ دمشق ٥٤/ ٣٥٥ (طبعة مجمع اللغة).
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ ابن عساكر ٥٤/ ٣٥٤.