للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا هو سكت سكوتَ الزاهدين، ولا تَفلَّقَ بكلام المتكلمين.

وذكره أبو حاتم بن حبان الحافظ في كتاب "المجروحين" وقال: كأنَّه خُذِل حتى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها، وجالسَ أحمد الجُوَيباري وابنَ تميم، ولعلَّهما قد وضعا على رسول الله وعلى الصحابة والتابعين مئةَ ألف حديث، ثمَّ جالس أحمد بن حرب الأصفهاني بنيسابور، فأخذ عنه التقشُّف، ولم يكن يُحسِنُ العلم.

وقال أبو عبد الله الحاكم: جاورَ بمكَّة خمسَ سنين، ثمَّ انصرفَ إلى نَيسابور، فحبسَه طاهر بن عبد الله بن طاهر، فلمَّا أطلقَه خرجَ إلى بعض ثغور الشام، ثم عاد إلى نيسابور، فحبسه محمد بن طاهر، وطالت حبسته ومحنته، وكان يغتسلُ كُلَّ جمعة، ويتأهَّبُ للخروج إلى الجامع، ويقول للسجَّان: أتأذنُ لي في الخروج إلى الجمعة؟ فيقول: لا، فيقول: اللهمَّ إنَّك قد علمتَ أنِّي قد بذلتُ مجهودي، والمنعُ من غيري (١).

ومكث بنيسابور أربع عشرة سنة، منها ثمانيةٌ في السجن، وكان في أوَّل أمره يلبسُ مَسْكَ ضأنٍ مدبوغ، وعلى رأسه قلنسوةٌ بيضاء، ويجلس فيعظُ ويذكِّرُ الناس (٢).

وقال الشهرستانيُّ: كان محمد بن كرَّام قليلَ العلم قد قمَّشَ من كل مذهَبٍ ضِغْثًا، وأثبتَه في كتابه، وروَّجهُ على أغتامٍ، فانتظمَ ناموسُه بسواد خراسان، وصار ذلك مذهبًا، قد نصره السلطان محمود بن سُبكتكين، وصبَّ البلاءَ على أصحاب الحديث من جهتهم (٣)، وأصحابُه فرقٌ، ونصَّ على أن معبودَه على العرش مستقرٌّ، وأطلقَ عليه اسمَ الجوهر، وأنَّه سبحانه مماسُّ العرش من الصفحة العليا، وجوَّزَ عليه الانتقال والتحويل (٤).

ذكر وفاته:

لمَّا أطلقَه محمدُ بن طاهر خرج إلى الشام، فنزلَ القدس، فنفاهُ الأمير يانس -وكان


(١) تاريخ دمشق ٦٤/ ١٩٠ - ١٩١ (طبعة مجمع اللغة).
(٢) المنتظم ١٢/ ٩٨.
(٣) نص العبارة في الملل والنحل ١/ ٣٣: وصب البلاء على أصحاب الحديث والشيعةُ من جهتهم.
(٤) الملل والنحل ١/ ١٠٨ - ١٠٩.