للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُلِدَ البخاريُّ يومَ الجمعة بعد الصلاة، لثلاث عشرة ليلة خَلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومئة، وكان نحيفَ الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير (١).

رحلَ في طلب العلم إلى سائر محدِّثي الأمصار، وكتبَ بخراسان، والجبال، ومدن العراق، والشام، ومصر، والحجاز، وصنَّفَ "الجامع الصحيح" و"التفسير" و"التاريخ" (٢).

وكان قد ذهبَ بصرُه في صغره، فكانت أمُّه تبكي، فرأت في منامها إبراهيمَ الخليل وهو يقول لها: يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصرَه؛ لكثرة بكائك ودعائك، فأصبح وقد عادَ بصرُه (٣).

ومَهرَ في معرفة الحديث، ورُزِقَ الحفظَ له.

وقال محمد بن أبي حاتم الورَّاق: قلت للبخاري: كيف كان بدءُ أمرك في طلب الحديث؟ فقال: أُلهِمتُ حفظَ الحديث وأنا في الكُتَّاب، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثمَّ خرجتُ من الكتَّابِ بعد العشر، فجعلتُ أختلف إلى الدَّاخلي وغيره، فقال يومًا في إملائه على النَّاس: عن سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، قلت له: يا أبا فلان، إنَّ أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، فدخل ثم خرج، وقال: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي (٤) عن إبراهيم، فأخذَ القلم منِّي، وأحكمَ كتابه، وقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم أنت إذ ذاك؟ فقال: ابن أحد عشرة سنة، قال: فلمَّا طعنتُ في ستَّ عشرة سنة حفظتُ كتبَ ابن المبارك ووكيع، ثم خرجتُ مع أخي إلى مكَّة في طلب الحديث، ورجعَ أخي بعدما حجّ، وأقمتُ بها، فلما طعنتُ في ثمانِ عشرةَ سنة جعلتُ أصنِّفُ قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفتُ كتابَ "التاريخ" إذ ذاك عندَ قبر النبي في الليالي المقْمرة، وقلَّ اسمٌ في التاريخ إلَّا وله عندي قصَّة، إلَّا أنِّي كرهتُ


(١) تاريخ بغداد ٢/ ٣٢٤.
(٢) تاريخ بغداد ٢/ ٣٢٢، والمنتظم ١٢/ ١١٣. ولم أقف على من نسب إليه كتاب التفسير.
(٣) تاريخ دمشق ٦١/ ٥٦.
(٤) في (خ) و (ف): الزبير بن علي. والمثبت من تاريخ بغداد ٢/ ٣٢٥، وتاريخ دمشق ٦١/ ٥٧.