للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلقٌ كثير، فسُئلوا عن الخبز؟ فقالوا: لنا سنة ما أكلناه.

وواصل الموفَّق القتال عليهم والتضييق إلى رجب، فقُتل بَهْبوذ قائد الزَّنج، وكان من أكبرهم وأعزِّهم على الخبيث، وكان صاحبَ أموالٍ جليلة، وكان يخرج فيقاتل في السُّمَيريات الخفاف، فيخترق الأنهار المؤدِّية إلى دجلة، فإذا صادف سفينة للموفَّق أخذها فأدخلها النَّهر الذي خرج منه، فركب يومًا شَذاةً وشبَّهها [بشَذَوات] (١) الموفَّق، وجعل عليها مثلَ أعلام الموفَّق، وسار بها في دِجْلة، فإذا ظفر بغزَةٍ من أهل العسكر أوقع بهم، فقَتل وأَسر، وكان يخترق الأنهار؛ نهرَ الأبُلَّة، ونهر مَعْقِل، وبَثْق شيرين، ونهر الدّير (٢)، ويقطع السُّبُل، ويعبث في أموال السَّابلة ودمائهم، فبلغ الموفَّق، فأمر بسكر الأنهار (٣) التي يَخرجُ منها، وأقام السُّميريَّات على رؤوس الأنهار، فخرج من نهرٍ لم يسكر، فقَتَل وسَبى ونَهب، فبعث الموفَّق ابنَه أبا العباس في شذًى وسُميريَّات يسبقه إلى النَّهر الذي يأخذ إلى مدينة الخبيث، فسبقه.

وأقبل بَهْبوذ في شذاه وسُمَيرياته وأصحابه، فالتقَوْا، فقتل أبو العبَّاس من أصحابه جمعًا كثيرًا، وأسر جمعًا، وأفلت بَهْبوذ في جمع يسير.

ثمَّ خرج بَهبوذ بعد ذلك يعترض أهلَ القرى ليمتارَ منها، وعلم به أبو العبَّاس فخرج في طلبه، فاعترضه في طريقه غلامٌ لأبي العبَّاس في سُميرية، وطمع بَهبوذ في السُّميرية، فطعنه بعض غلمان السُّميرية السُّود في بطنه فأنفذه، فهوى إلى الماء، فحمله أصحابه إلى مدينة الخبيث، فلم يصلوا به إليها حتَّى عجَّل الله بروحه الخبيثة إلى النَّار، فعظم ذلك على الخبيث وأصحابه، وكان قتْلُه من أعظم الفتوح.

وخفي على الموفَّق هلاكُه، ثمَّ علم من ملَّاح كان مع بَهبوذ واستأمن إلى الموفَّق، فسُرَّ بذلك، وأحضر الرِّجال الذين كانوا في تلك السُّميرية والغلامَ الذي طعنه، فوصلهم وزاد في أرزاقهم، وخلع على الغُلام الذي قتله وطوَّقه وسوَّره، وأمر لكلِّ من كان في السَّفينة بخِلَع وصِلات وجوائز.


(١) ما بين معكوفين زيادة من "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٠٩.
(٢) في (خ) و (ف): السيل. والمثبت من "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٠٩.
(٣) في (خ) و (ف): الأموال. وهو خطأ، والمثبت من "تاريخ الطبري".