وكان الموفَّق قد أحرق على الخبيث دارَه وقصرَه ومنازلَه، وبقي في جانب من النَّهر في قصره لبعض أصحابه، ووعَّر الطريق إليه وسدَّها، وعمل الخنادق، فسار إليه الموفَّق، وأحرق الأماكن الَّتي كان فيها، ودخل مدينته فتمَّم خرابها، وأمر بقلع باب قصره الذي انتزعه من حصن البصرة، فحُمل إلى بغداد، وقطع الجسرَ الذي كان يرتفق منه الخبيث، فخاف الزنج، وقاتلوا قتالًا شديدًا، ثمَّ انهزموا، فدخل غلمان الموفَّق، فخَلَّصوا مَن كان في تلك الناحية، ودخلوا دار القائد، ونهبوها، وسبَوْا ولدَه ونساءه.
وعبر الخبيثُ إلى الجانب الشَّرقي من نهر أبي الخَصيب، وأخلى الغربيَّ، واستأمن إلى الموفَّق جماعةٌ من قوَّاد الخبيث ممَّن كان يَثق بهم، فأحسن إليهم ووصلهم، وجاء بعضهم بمنبر الخبيث، فسُرَّ به وتفاءل بالفتح، واستنقذ الموفَّق نساءً علويَّات كنَّ عند الخبيث مُحَبَّسات، فأمر بحملهنَّ إلى العسكر، وفتحوا سجنًا كبيرًا كان للخبيث فيه خلق من العساكر الذين كانوا يقاتلون من أصحاب الموفَّق ومن غيرهم، فأَخرجوا الجميع وفي أرجلهم القيود، وفي أعناقهم الأغلال، فأطلقوهم.
وبعث أنكلاي بن الخبيث إلى الموفَّق يَطلب الأمان، ويَشترط أشياء، فأجابه إلى كلِّ ما سأل، وبلغ أباه، فعَدَله إلى قتال الموفَّق، وباشر الحرب بنفسه.
وفي ذي القعدة دخل الموفَّق مدينة الخبيث الشَّرقيَّة من نهر أبي الخَصيب، جمع السفن والمعابر من دجلة والبَطيحة ونواحيها، وأضافها إلى ما في عسكره، فأُحصي ما كان في المعابر والشَّذا والسُّميريات زهاءَ عشرة آلاف ملَّاح، ممَّن يجري عليه الرِّزق من بيت المال مشاهرة، سوى سُفن أهلِ العسكر الَّتي يحمل فيها المِيرة، ويركبها النَّاس في حوائجهم، وأمر الموفَّق بتفرقة السُّفن على الفرسان والرَّجَّالة، وقدَّم ابنه أبا العبَّاس وقوَّاده ومواليه، وذلك في يوم الاثنين لتسعٍ خلون من ذي القعدة.
وفي هذا الشهر أدخل المعتمد إلى واسط.
وسارت السفن والسُّميريات والخيَّالة والرَّجَّالة على ترتيب لم يُرَ مثله (١)، فيقال: إنَّ المقاتِلة كانوا ثلاثين ألفًا، وسارت السُّفن في دجلة منذ صلاة الظُّهر إلى اللَّيل، وأصبح
(١) هذا وما بعده من تمام وصف دخول الموفق مدينة الخبيث، انظر "تاريخ الطبري" ٩/ ٦٤٦ - ٦٤٧.