فالجواب: إنه علي وجه التمثيل لا على وجه التحقيق، لكونهما على طريقة واحدة وجنس واحد، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] وقد كان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يقول لجبريل: "يا أخي" فيخاطبه بالأخوَّة.
وقد روي عن الحسن البصري أنه قال: لم يكونا ملكين وإنما كانا أخوين من بني إسرائيل تسوَّرا المحراب. وليس هذا القول بشيء، لأنه كان يحرس محرابه ثلاثة وثلاثون ألفًا، فكيف يتسوَّر عليه رجلان من بني آدم ولا يُعْلَمُون؟ ولأن عامة العلماء على أنهما كانا ملكين.
وقد ذكر أبو حنيفة النُّوبي زيادة على ما ذكر الحسن فقال: اختصما إلى داود فحكم بينهما، وانتبه داود على زلَّته ولم يشعر بذنبه، وهذا حسن.
﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ واختلفوا في معنى النعاج:
فعامَّة العلماء على أنه كنَّى بالنعاج عن النساء، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، تورِّي عن النساء بالظباء والبقر والنعاج.
وقال الحسين بن الفضل: لم يكن هناك نعاج ولا بغي، وإنما هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لداود. والأول أصحُّ، لأنه من المعاريض.
وِقال مجاهد: إنما ذكر هذا العدد لأنه عدد نساء داود. فقال داود: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤].
فإن قيل: كيف جاز لداود أن يحكم ولم يسمع كلام الخصم الآخر؟ فالجواب: أن أحدهما لما ادَّعى على الآخر اعترف له صاحبه، فعند اعترافه قضى عليه، فحذف الاعتراف اكتفاء بفهم السامع ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ﴾ أي: أيقن وعلم ﴿أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ أي: ابتليناه.
وفي سبب تغيره ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الملكين أفصحا له بذلك، قاله السدي.
والثاني: أنهما عرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، فعلم أنهما عَنَياه بذلك، قاله وهب:
والثالث: أنهما نظرا إليه وضحكا أو نظر أحدهما إلى الآخر وضحك ثم عرجا،