للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو من قرية على باب نَيسابور يقال لها: كُورْدَاباذ على طريق بُخارى.

كان عظيم الشَّأن [صحب المشايخ، وإليه ينتمي شاه بن شجاع الكِرْماني، وكان] أحد السادة الأئمة، من كبار مشايخ القوم، وله الكراماتُ المشهورة.

روى الخطيب عن الجنيد بن محمد: أن أبا حفص ذُكر عنده، فقال الجنيد: كان رجلًا من أهل الحقائق، ولو رأيتُه لاستغنيتُ به.

وكان يتكلَّم في غَور بعيد، ولقد قال له يومًا بعضُ أصحابه: كان مَن مضى لهم الآيات الظاهرة، فأيش لك؟ فأخذ بيده وأتى به إلى سودتى الحدَّادين إلى كُور عظيم محميٍّ، فيه حديدةٌ عظيمة، فأدخل يده فأخذها؛ فبَردت في يده.

[وقال الخطيب:] دخل أبو حفص على مريض، فقال المريض: آه، فقال أبو حفص: ممَّن؟ فسكت، فقال: مع مَن، فقال المريض: كيف أقول؟ قال: لا يكنْ (١) أنينُك شكوى، ولا سكوتُك تجلُّدًا، وليكن بين ذلك.

[وحكى السُلميُّ عن] مَحْمِش الجَلّاب قال: صحبتُ أبا حفص اثنتين وعشرين سنة، [فما رأيتُه ذكر الله تعالى إلَّا على وجه الحضور والتَّعظيم والحُرمة]، وما رأيتُه يذكره على حدِّ الغَفلة والسَّهو والانبساط، وكان إذا ذكره تغيَّر حاله (٢).

وكان يقول: ما أظنُّ محقِّقًا يذكر الله على غير غفلة، ثمَّ يبقى بعد ذلك حيًّا إلَّا الأنبياء؛ فإنَّهم أُيِّدوا بقوَّة النُّبوَّة.

وحكى ابن باكويه الشّيرازي، عن أبي عثمان النَّيسابوري قال: خرجنا (٣) مع أبي حفص إلى ظاهر نيسابور، فتكلَّم علينا، فطابت قلوبنا، فبَصُرنا بأُيَّل (٤) قد نزل من الجبل، فبرك بين يديه وأصغى إليه، فبكى أبو حفص بكاء شديدًا، فقلنا له: تكلَّمتَ علينا فطابت قلوبُنا، فلمَّا جاء هذا الوحشُ وبَرَك بين يديك أزعجك وأبكاك! فقال: نعم، رأيتُ اجتماعَكم حولي وطيبَ قلوبكم، فوقع في خاطري لو أنَّ شاةً ذبحتُها


(١) في (ب): مع من قل: لا. فقال المريض: كيف أقول لا لا يكن … وكلام الخطيب في تاريخه ١٤/ ١٣٤.
(٢) "طبقات الصوفية" ١١٦.
(٣) في (خ) و (ف): وقال أبو عثمان النيسابوري خرجنا، والمثبت من (ب).
(٤) هو نوع من الوعول مثل الثور الأهلي.