للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ الحجر: ٧٥، والمتفرِّس الذي ينظر بنور الله فيدرك المعاني "اتقوا فراسة المؤمن" (١). والرَّبَّاني أعلى مرتبةً من هؤلاء ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] لله، أي: تخلَّقوا بأخلاقه، وافنَوا به عن خلقه.

وقال: إذا أراد الله أن يواليَ عبدًا فتح عليه باب ذِكره، فإذا استلذَّ الذِّكرَ فتح عليه باب القُرْب، ثمَّ رفعه إلى مجالس الأُنس، ثمَّ أجلسه على كرسي التوكُّل (٢)، ورفع عنه الحجاب، وكشف له عن الجَلال، فبقي هو بلا هو، فيتبرَّأ حينئذٍ من دعاوى نفسه، ويبقى في حفظ الله تعالى خلقه.

وسئل: هل يصير العارف إلى حالٍ ينقطع عنه البكاء؟ فقال: نعم، إنَّما البكاء للقوم بمنزلة الزَّاد في حال سفرهم إلى الله تعالى، فماذا نزلوا منازلَ القُرب، وذاقوا طَعْمَ الوصال، استقرَّ بهم المنزل، فلا حاجةَ لهم إلى الزَّاد.

وقال: إذا خَرِسَت الألسنُ عن الأذكار، نَطقَتْ القلوبُ بالافتكار (٣).

وقال: مُعاداةُ الفقراء بعضهم لبعض غيرةٌ من الله عليهم، لئلَّا يسكن بعضُهم إلى بعض.

وقال: علامة التَّوحيد خروجُ العبد عن كل شيء، وردُّ جميع الأشياء إلى متولِّيها (٤).

ذكر وفاته:

[حكى في "المناقب" عن] رُوَيم قال: حضرتُ وفاةَ أبي سعيد، فسمعتُه يقول في آخر نَفَسه: [من الطويل]

حنينُ قلوب العارفين إلى الذِّكر … وتَذكارهم وقتَ المُناجاةِ للسِّرِّ (٥)

أُديرَتْ كؤوسٌ للمنايا عليهم … فأغفَوا عن الدُّنيا كإغفاء ذي السُّكْرِ

همومهمُ جوَّالةٌ بمُعَسْكَرٍ … به أهلُ ودِّ الله كالأنْجُمِ الزُّهْرِ


(١) أخرجه الترمذي (٣١٢٧) من حديث أبي سعيد الخدري .
(٢) في "الرسالة القشيرية" ٤٠٥، والمناقب ١/ ٤٢٣: على كرسي التوحيد.
(٣) في المناقب ١/ ٤٢٥: بالافتقار.
(٤) في (ب) و (ف): منزلتها. وينظر المناقب ١/ ٤٣٠، و"طبقات الشعراني" ١/ ٧٩.
(٥) في النسخ: للبشر. والمثبت من المناقب ١/ ٤٢٣، و"الرسالة القشيرية" ٤٦٣، و"تاريخ دمشق" ٢/ ٦٨.