[وقد أثنى عليه] إبراهيم الحربيُّ وقال: ابن أبي عوف أحد عجائب الدُّنيا، عفيفُ اللِّسان والفرج واليد.
وكان له اختصاص بعبيد الله بن سليمان الوزير، [وقد ذكر الخطيب (١) السَّبب بكلام طويل اختصرته عن ابن أبي عوف حاصله: أنَّ] ابن أبي عوف قال: كان سبب اختصاصي بعبيد الله [بن سليمان الوزير] أنِّي اجتَزْتُ يومًا بمدينة أبي جعفر، فدخلتُ جامعَ المنصور، وإذا بغَريم قد لزم عُبيد الله، وطالبه بثلاث مئة دينار، وهو في عَقيب نكبته، وكان بيننا مودَّة، فسألتُ الغريم إنظارَه، فأبى، فقلت: المال عندي إلى أسبوع، فقال: اكتب خطّك. فكتبتُ وانصرف، فشكرني الوزير، فقلت: أحبُّ أن تُتِمَّ سروري بأن تصير معي إلى منزلي، قال: نعم، فأركبتُه حماري، ومشيتُ في رِكابه، فأدخلتُه داري، وقدَّمت له طعامًا فأكل، وأخرجتُ له كيسًا فيه دنانير، وقلت: لعلَّك على إضاقة، فخُذْ منه ما شئتَ، فأخذ منه دنانير.
ثمَّ قام فخرج، فلامَتْني زوجتي وقالت: لم تقنع بأن ضَمِنتَ عنه ما لا يفي حالُك به حتَّى أعطيتَه دنانير! فقلتُ لها: ويحك يا هذه، قد فعلتُ جميلًا، وأسديتُ يدًا جليلةً إلى حرٍّ كريم من بيت كريم، وله أصلٌ خطير، فإن نفعني الله بذلك فله قصدتُ، وإن تكن الأخرى لم يضِع عند الله.
قال: وحلَّ الدَّين، وجاء الغَريم يُطالبني، فأخَّرتُه يومين لأبيع عقاري وأُعطيه ثمنَه، فبينما أنا على ذلك إذا برُقْعةِ الوزير قد جاءتني، فمضيتُ إليه، فقال: جاء الرَّجل؟ قلت: نعم، قال: فما الذي جرى؟ فقلتُ: أمهلْتُه يومين حتَّى أنادي على عقاري وأبيعه وأعطيه ثمنه، فقال: قد جاءتني غليلةٌ من ضَيعةٍ لي سَلِمت من النَّكبة، وثمنُها يفي بما ضمنتَ عنِّي، فبِعْها وأدِّ ثمنها إلى الغريم. [قال:] فبعتُها، وحملتُ ثمنَها إليه، وقلت: أنت مضيّق وأنا أعطي الغَريمَ البعض من عندي وأصبِّره، [فأبى، فقلت: لا بدَّ. وجاء الغريم، فأعطيته البعض من عندي، وصبَّرتُه] بالباقي إلى مدَّة.
ولم يمض على ذلك إلَّا اليسير حتَّى ولي عبيدُ الله الوزارة، فأحضرني من يومه، وقام من مجلسه [قائمًا]، وتلقَّاني، [وجعلني في السماء]، وكان إذا خرج ليركب دابَّتَه