عن وهب بن منبه قال: لما تاب الله على داود، حَسُنَ حالُ بني إسرائيل، وفشت فيهم العافية، وكثروا حتى ملؤوا الشام، وضاقت بهم فلسطين وما حولها، فعجب داود من كثرتهم، وأمر بعدِّهم فلم يقدروا على ذلك، فأوحى الله إليه: ألم تعلم أني وعدتُ أباك إبراهيم يوم أمرته بذبح ولده إسحاق فأطاعني أن أنمي ذريته حتى يكونوا عددَ نجوم السماء وأكثر، ولا يحصيهم العدد، فلما علمتَ أني منجزٌ له ما وعدته ذهبتَ تختبرني، أو ظننت أني مخلف وعدي؟ وإني أقسمت بعزتي لأبتلينهم بثلاثة تُقِل عددهم، فخيّرهُم بين أن أبتليهم بالقحط ثلاث سنين، وبين أن أسلِّط عليهم العدوَّ شهرين، وبين أن أسلط عليهم الطاعون ثلاثة أيام، فجمعهم داود وخيَّرهم فقالوا: أنت نبيُّنا فاختر لنا، فقال: أما الجوعُ فبلاءٌ فاضح ولا صبر لأحدٍ عليه، وأما العدوُّ فإن اخترتموه فلا بقيَّة لكم، والموت أعز، فخرج بنو إسرائيل إلى موضع البيت المقدَّس يسألون الله كَشْفَ الطاعون عنهم، فاتخذ داود ذلك الموضع مسجدًا (١).
وقال ابن الكلبي: كان ذلك لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه، وتوفي قبل أن يتم بناؤه، فأوصى بذلك إلى سليمان، لما نذكر.
وفي رواية عن وهب: فأمرهم أن يتجهَّزوا، فاغتسلوا وتحنَّطوا ولبسوا الأكفان، وبرزوا إلى موضع بيت المقدس بالذراري والأهلين، وضجُّوا إلى الله تعالى ضجَّةً واحدة، وارتفع داود على صخرة بيت المقدس، ولم يكن هناك مسجد، يدعو ويتضرَّع، فأرسل الله عليهم الطاعون يومًا وليلة تَحِلَّة القسم، فمات منهم خلق كثير، ثم كشفه الله عنهم، فقال لهم داود: هذا صعيد مبارك ابنوا فيه مسجدًا لله تعالى، فبنوا لما نذكر.
وقد أخرج أحمد في "المسند" بمعناه فقال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي بإسناده عن صهيب قال: كان رسول الله ﷺ إذا صلى همس شيئًا لا أفهمه ولا يخبرنا به ثم قال: "أوَظننتم بي"؟ قلنا: أجل، فقال: "إني ذكرتُ نبيًا من الأنبياء أُعطِيَ جُنُودًا من قَومِهِ فقالَ: من يكافئُ هؤلاء، أو من يقوم لهؤلاء، أو غَيرَها من الكلامِ، فأوحى اللهُ إليه اختَر لِقومِكَ إحدى ثلاث: إمَّا الجوعُ، وإما العدوُّ وإما الموتُ، فاستشار قومه في ذلك، فقالوا: أنتَ نبِيُّ اللهِ فاختَر لنا فالكلُّ إليك، فَقامَ إلى صَلاتِهِ وقال: إلهي، أمَّا عَدوٌّ من غَيرِهم فلا، وأمَّا