للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدٌ أحقَّ بهذا من أحد، وإنَّ العِباد فيه لَمشتركون، ثمَّ انخلعت من الدُّنيا ولبست المُسُوح، وجعلت تتعبَّد، وهي مع ذلك تذوب وتَنْحَلُ حبًّا للفتى، وأسَفًا عليه، حتَّى ماتت شوقًا إليه.

فكان الفتى يأتي قَبْرها فيبكي عنده، فرآها في منامه في أحسن مَنْظَر، فقال لها: كيف أنتِ، وما الذي لَقيتِ بعدي؟ فقالت:

نِعم المحبةُ يا حبيبي حُبُّكم … حبُّ يقودُ إلى خيرٍ وإحسانِ

فقال لها: إلى ما صِرتِ؟ فقالت: [من البسيط]

إلى نَعيمٍ وعَيشٍ لا زَوال لهُ … في جنَّة الخُلْدِ مُلْكٌ ليس بالفاني

فقال لها: اذكُريني هناك فإنِّي لستُ أنساكِ، فقالت: وأنا والله لا أنساك، ولقد سألتُ الله قربكَ فأعني على ذلك بالاجتهاد، ثمَّ ولَّت مُدْبرة، فقال لها الفتى: فمتى ألقاكِ [أو أراكِ]؟ فقالت: ستأتينا عن قريب، فلم يعش الفتى بعد الرُّؤيا إلا سبع ليالٍ حتَّى مات، فدُفن إلى جانبها.

وللمبرد المصنَّفاتُ الحِسان؛ منها "الكامل"، وكتاب "الروضة"، وغير ذلك.

[ذكر وفاته:

قال الخطيب:] توفِّي [المبرِّد] ببغداد [في هذه السنة] ودُفن بمقابر باب الكوفة [من الجانب] الغربي من مدينة أبي جعفر، وعمرُه تسعٌ وسبعون سنة.

وروى عن المازنيِّ وغيره، وروى عنه إبراهيم بن محمَّد بن عَرَفَة نِفْطَويه، وخلقٌ كثير، وكان صدوقًا [ثقةً] ثَبتًا.

[قال ابن عساكر:] ومن رواياته عن الإِمام مالك بن أنس [الفقيه] رحمة الله عليه أنَّه قال: إنَّ لهؤلاء الشُّطَّار مَلاحة، كان أحدهم يصلِّي خلف إنسان فأُرتج عليه، فجعل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يردِّدها، فصاح به الشَّاطر: الشيطان ما له ذَنْب، أنت ما تحسن تقرأ (١).


(١) تاريخ دمشق ٦٥/ ٢٦٢، ومن هنا إلى بداية السنة التالية ليس في (ف) و (م ١).