وكتب إسحاق إلى المكتفي يَستمدّه، فبعث إليه جماعةً من القوَّاد في جيش كثيف إلى موضعٍ يقال له: الصَّوَّان (١)، بينه وبين القادسية أربعة أميال، وجاءهم زكرويه، فالتَقوا يوم الأحد لعشرٍ بَقينَ من ذي الحجَّة.
وكمّن زكرويه كمينًا، فكانت الدَّبْرة أوَّلَ النَّهار على القرامطة، فلما انتصف النهار خرج الكَمين فانهزم أصحاب المكتفي أقبحَ هزيمة، وقتلهم القرامطة كيفما شاؤوا، وغنموا جميع ما كان معهم، ولم ينْجُ منهم إلى الكوفة إلَّا كلُّ من كان فرسُه جوادًا، وتقوَّى زَكْرويه بما أخذ منهم، وكان معهم القاسم بن أَحْمد داعية زَكْرويه، فضربوا عليه قُبَّة، وقالوا: هذا ابنُ رسول الله ﷺ، ثمَّ هجموا الكوفة وهم يصيحون: يَا ثارات الحسين، يعنون ابنَ زكرويه، وأظهروا الأعلام البيض، استغوَوْا رَعاع الكوفيين، فخرج إليهم إسحاق بن عمران وجماعةٌ من الطَّالبيين والعامَّة، فقاتلوهم أشدَّ قتال، وأخرجوهم عن الكوفة، فتفرَّقوا في سوادها.
وفيها ظفر المكتفي بالخَلَنجيِّ، وكان المكتفي قد عزم على الخروج بنفسه إلى مصرَ، وضرب خيامه بباب الشمَّاسيَّة، وكان فاتكٌ المعتضديُّ في حرب الخَلَنجيّ فزحف عليهم، فانهزم إلى مصر، ودخل الفُسْطاط، وقُتِل أكثر أصحابه، وانهزم الباقون، واحتوى فاتكٌ على عسكره، واستتر الخَلَنْجيُّ عند رجل من أهل الفُسطاط، فدُلَّ عليه، فأُخِذ ومعه جماعة من أصحابه، وبعثه فاتكٌ إلى بغداد، فدخلها الخلنجيُّ في نصف رمضان وأصحابُه على الجمال، فأُحضروا بين يدي المكتفي، فأمر بحبسهم ولم يقتلهم.
وفيها عُمِل ببغداد على دجلة من جانبيها مثلُ مِقياس مصرَ، طولُه خمسة وعشرون ذراعًا، على كلِّ ذِراع علاماتٌ يَعرفون بها الزيادةَ، ثمَّ خرب بعد ذلك.
وحجَّ بالنَّاس الفضلُ بنُ عبد الملك الهاشميُّ.
وفيها تُوفِّي
(١) في الطبري ١٠/ ١٢٥: بالصوءر، وفي نسخ من الكامل ٧/ ٥٤٤: بالصوار، والمثبت موافق لما في متن الكامل.