للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وقوعه في البئر:

حكاها في "المناقب"، وذكرها السُّلَميُّ وأبو نعيم وغيرهم عن أبي حمزة] قال: حَجَجتُ سنةً من السِّنين، فبينا أنا أمشي وقعتُ في بئر، فجعلت في قعرها، ولم أقدر على الخروج منها، هاذا قد وقف على رأسها رجلان، فقال أحدهما للآخر: تعال حتَّى نسدَّ رأس هذا البئر لئلَّا يقع فيه أحد من المجتازين، فجاءا بقصب وباريَّة (١)، فهَمَمْتُ أن أنادي أنا فيها (٢) فنُوديت: تتوكَّل علينا وتشكونا إلى غيرِنا؟! فسَكتُّ، فطمُّوها، فأقمتُ فيها يومي وليلتي، وإذا بشيءٍ قد كشف رأسَ البئر، ودلَّى رجليه، وهَمْهَم كأنَّه يقول: تعلَّق بي، فتعلَّقت به فأخرجني، وإذا به سَبُع، ونُوديت: يا أبا حمزة، أليس هذا أحسن؟ نَجَّيناك من التَّلَف بالتَّلَف، وكفيناك ما تخافُ ممَّا تخاف، وأنشأ أبو حمزة يقول: [من الطويل]

نهاني حَيائي منك أن أكشِفَ الغِطا … وأغنيتَني بالفَهْم منكَ عن الكشْفِ

تلطَّفْتَ في أمري فأبديتَ شاهدي … إلى غائبي واللُّطفُ يُدْرَك باللُّطْفِ

تراءيتَ لي بالغيب حتَّى كأنَّما … تبشِّرني بالغيب أنَّك في كفِّ

أراكَ وبي من هيبةٍ لكَ حِشمةٌ … فتُؤْنِسُني بالفَهْم منك وبالعطفِ

وتُحيي مُحِبًّا أنتَ في الحُبِّ حتْفُه … ومِن عَجَبٍ كونُ الحياةِ من الحَتْفِ

[قلت: وذكر جدِّي هذه الحكاية في "تلبيس إبليس" وقال: أخطأ هذا الرجل، وخالف الشَّرع بسكوته، وقد أعان على نفسه، وكان يجب عليه أن يصيحَ ويمنعَ من طمِّ البئر، كما يجب عليه أن يدفعَ عن نفسه مَن يَقْصد قتلَه؛ فإنَّ إلقاء النَّفس إلى الهَلَكة حرام (٣). وذكر كلامًا في هذا المعنى.

قلت: وهذا الذي ذكر جدِّي هو ظاهرُ الشرع، وليس على أرباب التوكُّل في مثل هذه الأحوال جُناح، ولطالما نُجِّي من بحار الهلاك الغرقى، وأُغرق السبَّاح، وطريقةُ أرباب القلوب والأولياء غيرُ طريقة الفقهاء والعلماء، والحمد لله وحده].


(١) الباريَّة: الحصير المنسوج. اللسان: (بور).
(٢) في (خ): فجعلت أُنادي أنا فيها، والمثبت من (ف) و (م ١).
(٣) تلبيس إبليس ص ٢٩٤، وانظر حلية الأولياء ١٠/ ١٧٨، وتاريخ بغداد ٢/ ٢٧٦ - ٢٧٧، والرسالة القشيرية ص ٢٧٩ - ٢٨٠، ومناقب الأبرار ٢/ ٢٢.