للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: لو علم منك التَّحقيقَ لوسَّع عليك الطَّريقَ، ولو سِرْتَ إليه في أوَّل المصائب لرأيتَ من لُطفه العجائب.

وقال الخلدي: سمعتُه ينشد: [من الطويل]

ولو نَطَقتْ بي ألسنُ الدَّهر خبَّرتْ … بأنِّيَ في ثوبِ الصَّبابَةِ أرْفُلُ

وما إنْ لها عِلْمٌ بحالي ومَوْضِعي … وما ذاك مفهومٌ لأنِّي مُثْقَلُ (١)

قال: ودخلتُ يومًا عليه وهو يبكي، فقلت: ما لكَ؟ فقال: فقدتُ أُنسي في الخلوة، وعدمتُ الإخوان الذين كنتُ أستأنِس بهم، ودون هذا مما يُبكي، وأنشد: [من الكامل]

ذُمَّ المنازلَ بعد منزلةِ الهوى … والعيشَ بعد أولئك الأقوامِ (٢)

[وحكى الخطيب (٣) عن الخُلْدي عن] الجنيد قال: كلَّمتُ الحسنَ المُسُوحي في شيءٍ من الأُنس، فقال: لو مات مَنْ تحت السماء ما استوحشتُ.

ذكر وفاته:

[حكى السُّلميُّ عن الخطيب (٤) قال:] دخل أبو العبَّاس بن عطاء عليه وهو في النَّزْع، فسلَّم عليه فلم يردَّ، ثمَّ ردَّ بعد ساعة وقال: اعذُرني فإنِّي كنتُ في ورْدي السابع، ثمَّ حوَّل وجهَه إلى القبلة وكبَّر وتُوفِّي.

[وحكى السلمي أيضًا عن] أبي محمد الجَريري قال: كنتُ (٥) واقفًا على رأس الجنيد وهو في الموت -وكان يوم الجمعة- وهو يقرأ القرآن، فقلت: يا أبا القاسم، ارفِقْ بنفسك، فقال: يا أبا محمد، ومَنْ أحوجُ منِّي في هذا الوقت إلى ما ترى؟ وهذه صحيفتي تُطوى، فقلت له: لو اضطجعتَ؟ فقال: هذا وقت يؤخذ منه، الله أكبر ومات.


(١) ذكر البيتين الكلاباذي في التعرف لمذهب أهل التصوف ص ١٣٨.
(٢) البيت لجرير، وهو في ديوانه ٢/ ٩٩٠.
(٣) في تاريخه ٨/ ٣٥٥.
(٤) في تاريخه ٨/ ١٧٣.
(٥) في (خ): وقال أبو محمد الجريري: كنت … ، والمثبت وما بين معكوفين من (ف) و (م ١)، والكلام في تاريخ بغداد ٨/ ١٧٦.