للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكى الخطيب وغيره أن محمدًا كان يهوى (١) فتًى حَدَثًا من أهل أصبهان يقال له: محمد بن جامع، ويقال: محمد بن زُخْرُف، وكان أبو بكر عفيفًا طاهرًا في عِشْقه، وكان ابنُ جامع يُنفق عليه، وما رأى النَّاسُ معشوقًا يُنفق على عاشقه إلَّا هو، وما زالت محبَّتُه به حتَّى قَتَلَتْه.

ودخل ابنُ جامع الحمَّام يومًا، وخرج فأخذ المرآة، فنظر إلى وجه نفسه، فأعجبه وجهُه فغطَّاه بمنديل، وجاء إلى ابن داود وهو على تلك الحالة، فقال له: ما هذا؟ فقال: نظرتُ في المرآة، فأعجبني حُسْني، فما أحببتُ أن يراه أحد قَبْلَك، فغُشي على ابن داود.

قال الخطيب: ودخل عليه إبراهيم بن محمد بن عَرَفَة النَّحْويُّ المعروف بنِفْطَويه وقد ضَني (٢) على فراشه، فقال له: يا أبا بكر، ما هذا الضَّنى مع القُدرة والمحبوب مُساعد؟ فقال: أنا في آخر يوم من أيام الدُّنيا، لا أنالني اللهُ لشفاعةَ محمد ﷺ إن كنتُ حَلَلْتُ سَراويلي على حرامٍ قطُّ، حدَّثني أبي بإسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن عَشِق وكَتَم وعَفَّ وصبر، ثمَّ مات مات شهيدًا، وأدخله الله الجنَّة" (٣).

قال المصنف ﵀: والحديث رواه الخرائطيُّ رفعه إلى ابن عبَّاس قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن عَشِق فعفَّ فمات فهو شهيد (٤) ".

[قال الخطيب:] توفِّي أبو بكر ابن داود يوم الإثنين لتسعٍ خلون من رمضان سنة ستٍّ، أو سبعٍ، أو ثمانٍ وتسعين ومئتين (٥)، وروى عن أبيه وغيرِه، ولَمَّا مات محمد جلس ابن سُريج في عزائه، وبكى، وجلس على التُّراب وقال: ما أسفي إلَّا على ترابٍ


(١) في (خ): ذكر وفاته كان محمد يهوى، والمثبت من (ف م ١).
(٢) في (خ): ودخل عليه إبراهيم نفطويه وقد ضني، والمثبت من (ف م ١)، وانظر تاريخ بغداد ٣/ ١٦٥.
(٣) بعدها في (ف) و (م ١): قلت: قاتل الله نفطويه، أما كفى ابنَ داود ما هو فيه من النظر إلى المحرم حتى يزيّن له الفاحشة التي يفضي بها إلى نار جهنم.
(٤) اعتلال القلوب للخرائطي ص ٧٩، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية ٢/ ٧٧٢: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله ﷺ.
(٥) تاريخ بغداد ٣/ ١٦٧، ومن هنا إلى آخر السنة ليس في (ف م ١). وانظر مروج الذهب ٨/ ٢٥٤، والسير ١٣/ ١٠٩، وتاريخ الإسلام ٦/ ١٠٢٣.