للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان مُجرَّدًا من الدنيا، ثمَّ ترك ذلك.

وقال أبو عمرو الزَّجَّاجي: نهاني الجنيدُ أن أدخلَ على رُويم، فدخلتُ عليه يومًا، وكان قد دَخلَ في شيءٍ من أمور السلطان، فدخل الجنيدُ فرآني عنده، فلمَّا خرجنا قال لي: كيف رأيت؟ قلت: لا أدري، قال: إن الناس يتوهمون أن هذا نقصانٌ في حالهِ ووقته، وما كان رويم أعمرَ وقتًا منه في هذه الأيَّام، ولقد كنت أصحبه بالشُّونيزيَّة في حالة الإرادة، وكنت معه في خرقتين، وهو الساعة أشدُّ فقرًا منه في تلك الحالة وتلك الأيام (١).

[وحكى القاضي التنوخي بإسناده إلى جعفر الخُلْدي قال:] (٢) من أراد أن يستكتم سرًّا، فليفعل كما فعل رويم (٣)، كتم حبَّ الدنيا أربعين سنة [فقيل له: وكيف يتصور ذلك؟ قال:] وَلِيَ إسماعيلُ بن إسحاق [القاضي] قضاءَ بغداد، وكانت بينهما مودَّةٌ أكيدة، فجذبه إليه [وجعله وكيله على بابه] (٤)، فترك لبس الصوف، ولبس الخزَّ والقَصَبَ والدَّبيقيّ، وأكلَ الطيبات، وبنى الدور، وإذا هو كان يكتمُ حبَّ الدنيا ما لم يجدها، فلمَّا وجدَها أظهرَ ما كان يكتم من حبها.

[ويقال: إنَّه وليَ القضاء ببغداد. وهو وهم. والأصحُّ أنَّه كان وكيلًا كما ذكر الخطيب.

وذكر ابن خَميس في "المناقب" قال] (٥): لَمَّا دخلتُ بغداد قَصدتُ رُويمًا وقد وَليَ القضاء، فدخلتُ عليه، فرحَّب بي وأدناني وقال: ما تقول الصوفيَّة فيّ؟ قلت: لا أدري، فقال: بلى، يقولون: رجعَ إلى الدنيا، فبينا هو يحدِّثني إذ دخلَ ابنٌ له صغير، فقعد في حجره، فقال رويم: لو كُنْتُ أرى [فيهم] من يكفيني مؤونة هذا الطفل ما دخلتُ فيما دخلتُ فيه، ولكن شُغْل قلبي بهذا وأمثاله هو الَّذي أوقعني فيما وقعتُ فيه.


(١) من قوله: وقال أبو عمرو الزجاجي … إلى هنا ليس في (ف) و (م ١). وانظر تاريخ بغداد ٩/ ٤٣٠، والمنتظم ١٣/ ١٦٢.
(٢) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١). وفي (خ): وقال جعفر الخلدي.
(٣) في نشوار المحاضرة ٣/ ١٢٠: فليستكتم رويم.
(٤) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١).
(٥) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١)، وفي (خ): وقال رويم.