للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخراهم حتى يقف كلُّ صنف منهم عند حدِّه ولا يتقدم في السَّيْر كما يفعل الملوك.

وأصل الوَزْعِ: الكفُّ والمَنْعُ.

وقال وهب: مرَّ سليمان على وادي النَّمل، واختلفوا فيه، قال قوم: هو بالطَّائِف، وقال قوم آخرون: بالمغرب، وقيل: بالساحل، وقيل: بالمشرق.

فخرجت نَملة عرجاء اسمها منذرة، فجعلت تمشي وتتكَاوَس (١)، فلما رأتِ البساط وما عليه من الجيوش ذُهلت ونادت، فقالت: ﴿يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨] الآية، فألقت الريحُ قولها في سمع سليمان ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ [النمل: ١٩] ووقف ببساطه. قال الضَّحَّاك: اسمها طاخية، وقال مقاتل: حرمى. ثم أحضرها بين يديه وقال لها: حذَّرتِ إخوانكِ ظلمنا والأنبياءُ لا يظلمون، قالت: معاذ الله. قال: فكيف قلت: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٨] فأجابت بجوابين:

أحدهما: قالت: أما سمعتَ قولي: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨].

والثاني: أنها قالت: ما أردت حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب، خفت أن يتمنَّين ما أُعطيتَ فيَشتغِلْنَ عن ذكر الله ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ (٢).

قال جدي : إنَّما تبسم ضاحكًا من فصاحتها، لأنها جمعتْ في الآية الفصاحة كلَّها وذلك لأن قولها: ﴿يا﴾: نادت، ﴿أيها﴾: نبَّهت، ﴿النمل﴾: عيَّنتْ، ﴿ادخلوا﴾: أمرت، ﴿مساكنكم﴾: نضَّت، ﴿لا يَحطِمَنكم﴾: حذَّرت، ﴿سليمان﴾: خصَّت، ﴿وجنوده﴾: عَمَّت، ﴿وهم لا يشعرون﴾: عَذَرتْ (٣).

قال مقاتل: قال لها سليمان: عِظيني، فقالت: لمَ سُمِّي أبوك داود وأنت سليمان؟ قال: لا أدري. قالت: لأنه داوى جرحه بمراهم التوبة فوداه ربه، وأنت سليم، آن لك أن تلحق بأبيك (٤).


(١) الكوس: المشي على رجل واحدة، ومن ذوات الأربع على ثلاث قوائم.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٩٨ - ٢٩٩، وتفسير الثعلبي ٧/ ١٩٤ وما بعدها وعنه وعن زاد المسير ينقل تفسير الآيات.
(٣) "زاد المسير" ٦/ ١٦٢.
(٤) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٩٩.