للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا سمع حامد ذلك أمر أن يُؤخَذَ بلحيته، فما قام إليه أحدٌ، فقام حامدٌ بنفسه فأخذ بلحيته وأهانَه. وبلغ المقتدر، فبعَث خادما، فأقام ابنَ الفرات من المجلس، وردَّه إلى مَحبسه، وبقي في قلبه.

فلمَّا عُزِل حامد وَوُلِّي ابنُ الفرات كان حامدٌ بواسط، فأودع أمواله وذخائرَه عند الناس، وأظهرَ أنَّ الخليفةَ قد استدعاه، ثم هرب من واسِط إلى حيث يأمَنُ على نفسه، وبلغ ابنَ الفرات فأخبر المقتدرَ، فأمر نازوكَ صاحبَ الشُّرطة بالمَسير إليه، فخرج من بغداد، فلقي جماعةَ من غلمان حامد وكُتَّابه بدَير العاقول، فقبض عليهم، وأخذ ما كان معهم من الأثقال. وأحس حامد فحاد عن الطريق واستَتَر، ودخل نازوك بغداد بما أخذ، فأخذ المقتدرُ المال والدوابَّ، وردَّ الضّالات إلى ابن الفرات.

وأما حامد فإنَّه لبس كساءً على زي الرُّهبان، وقَصَد بابَ الخليفة مستجيرًا به، وسأل أن يكون مُعتَقَلًا في دار السلطان إلى حين مناظرته على وجهِ جميل، وشفَعَت فيه أمُّ الخليفة، فقال مُفْلح الخادم -وكان بينه وبين حامد عداوةٌ-: لئن فعلتُم هذا لم يتمَّ لابن الفرات أمرٌ وتَبطل الأموال، فبعث المقتدر بحامد إلى ابن الفرات، فأحسَنَ إليه، وأكرمه، وخاطبَه بالوزارة، وأفرد له دارًا كبيرةً، ونقل إليها الفُرُش والأمتعةَ، وكان يحمل إليه من الطعام والشراب مثلَ ما كان يُحمَل إليه وهو وزير.

ثم إنَّ ابن الفرات خلا به ولاطَفَه، وقال له: قد علمتَ طَمعَ هذا الرَّجل -يعني المقتدر- وقد عزم على أنْ يُسلِّمك إلى ابني المحسِّن فيعذِّبك، وقد علمتَ جراءةَ المُحَسّن، فأطلعني على أموالك وما أودعتَه فإنَّ إنكارك لا يفيد، فقال: احلِف لي أنَّني متى أقررتُ بذلك لا تنالُني بمكروه، ولا تُسلمني إلى ابنك، فحلف له، فأطلعه على أمواله وذخائرِه ودفائنه وودائعه، فبلغ ذلك ألفَ ألف دينار ومئتي ألف دينار، فرفع ابن الفرات ذلك إلى الخليفة، فقال: هذه الأموال بالنسبة إلى نعمة حامد يسيرةٌ، سلِّمه إلى ابنك المحسن، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يحل لي ذلك بدون اليمين، فكيف وقد حلفتُ له، وضمنتُ أنَّه لا ينالُه مكروه، وما أبقى حامد (١) بقية، فبعث المقتدرُ فسلَّمه


(١) في (خ): خالد.