للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقته مشايخُ علماءٌ، لكنَّهم لم يبلغوا في الإتقان ما بلغ.

وكان عليُّ بن عيسى الوزير يحدِّثُ في داره فيقول: حدَّثنا البغويُّ في ذلك المَوضع، ويُشير إلى بُقعةٍ من الدار، وحدَّثنا ابن صاعد في ذلك المكان، فيذكر جماعة، ويشير إلى مواضعهم، فقيل له: ما لك لا تذكر ابنَ أبي داود؟ فقال: ليتَه إذا مَضينا إلى داره يأذنُ لنا في الدُّخول.

وخرج إلى سِجِستان في أيام عمرو بن اللَّيث، فاجتمع إليه أصحابُ الحديث، وسألوه أن يُحدِّثَهم، فأبى وقال: ليس معي كتاب، فقالوا له: ابن أبي داود [وكتاب؟!] فأملى (١) عليهم ثلاثين ألفَ حديث من حفظه، فلمَّا قدم بغداد قال البغداديون: مضى ابنُ أبي داود إلى سِجِستان ولعب بالنَّاس، ثم فيَّجوا فَيجًا (٢) اِكْتَرَوْه بستَّة دنانير إلى سِجستان ليكتبَ لهم نسخةً، فكتب، وجاء بها إلى بغداد، وعُرِضَت على الحفَّاظ فخَطَّؤوه في ستَّة أحاديث، قال: منها ثلاثةٌ حَدَّثتُ بها كما حُدِّثتُ، وثلاثة أحاديث أخطأتُ فيها.

وقال: مررتُ يومًا بباب الطَّاق، فإذا رجلٌ يُعَبِّر الرؤيا، فمرَّ به رجلٌ، فأعطاه قطعةً وقال له: رأيتُ البارحة في منامي كأنّي أُطالبُ بصَداق امرأةٍ ولم أتزوَّج قطُّ؟ فردَّ عليه القطعة وقال: ليس لهذه جواب، قال: فتقدَّمتُ إليه وقلت: خُذ منه القطعةَ وأنا أعبره، فأخذها، فقلتُ للرجل: أَنْتَ تطالبُ بخَراج أرضٍ ليست لك، فقال الرَّجل: صدقتَ، هذا التَّوكيل معي على الخراج.

وقال أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابنُ أبي داود نحوًا من عشرين سنةً، ما رأيتُ بيده كتابًا، وإنَّما كان يُملي من حفظه، وكان أحفظَ من أَبيه.

ذكر وفاته:

مات ليلة الإثنين ودُفن يوم الإثنين وقت الظهر لثماني عشرة خلت من ذي الحجة


(١) في (خ ف): إن أبي داود فأملى، والمثبت من تاريخ بغداد ١١/ ١٣٧، وتاريخ دمشق ٩/ ٣٧١، والمنتظم ١٣/ ٢٧٥.
(٢) أرسلوا رسولًا.