للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينها؛ فقولٌ إذا تبَيَّنوه حقَّ تبيُّنِه، وتَصفَّحوه حقَّ تَصَفُّحِه: علموا أنَّه قول جافٍ، والبَغْيُ على فيه غيرُ مُستَترٍ ولا خافٍ … وذكر كلامًا طويلًا ثم قال:

فأمَّا أنتم فمُعْظم نِعمتكم منِّي، وما كنتُ لأعودَ عليكم في شيءٍ سمحتُ لكم به، ونازوك فلا أدري من أيِّ شيءٍ عَتَبَ، ولا لأيَّةِ حالٍ استوحشَ واضطَرَب، فإنِّي لم أمنعْه من مُحاربة هارون ولا الانتصار منه، ولا أمرتُ بمَعونة هارونَ عليه، ولا أخذتُ له مالًا، ولا كفَفْتُ يده عما كان إليه.

وأما عبد الله بن حمدان فالذي أحفظه صَرْفُه عن الدِّينَوَر، فقد كان يَتهيَّأ إعادته إليها، أو تعويضُه من الأعمال ما هو أعظمُ منها، وما عندي لجميعكم إلَّا التَّجاوزُ والإغضاءُ، والرِّعايةُ والإبقاء.

وقبل هذا وبعده فلي في أعناقكم بيعةٌ قد وَكَّدتُموها على أنفسكم دفعةً بعد دفعة، ومَن بايعني فإنَّما بايع الله، ومَن نكث فإنَّما يَنكُثُ عهدَ الله، ولي عليكم أَيضًا نِعمٌ وأياد، وصنائعُ وعَوارفُ آمَلُ أن تعترفوا بها، وتشكروها ولا تكفروها.

فإن رجعتُم إلى الحَسَنُ الجميل، وتلافيتُم هذا الخَطْب الجَليل، وفرَّقتُم جُموعَكم، وعدلتُم إلى منازلكم، وجريتُم في الخدمة على عوائدكم: كنتُم (١) بمنزلة مَن لم يَبْرَح من موضعه، ولم يأتِ بما أتى به، وإن أبَيتُم إلَّا المُكاشَفةَ والمُخالفةَ، وإيثارَ الفتنة وتجديدَ المِحْنَة؛ فقد ولَّيتُكم ما تولَّيتُم، وأغمَدْتُ سيفي عنكم، ولم أخرجِ من منزلي، ولم أُسلِّم الحقَّ الذي لي إلَّا كما خرج عثمانُ بن عفان عن داره، لمَّا خَذله أعوانُه وأنصارُه وعامَّةُ ثِقاته، وكان ذلك فيما بين الله وبيني، والله بصيرٌ بالعباد، وللظالمين بالمِرصاد، وهو حسبي ونعم الوكيل.

فلمَّا وقفوا على الورقة عَدَلوا إلى مطالبته لإخراج هارون بن غريب عن بغداد، فأجابهم إلى ذلك، وقلَّده [الثغور] الشامية والجزيرة، وخرج من يومه إلى قُطْرَبُّل فأقام بها.

فلما كان يوم الخميس لعشرٍ خلَون من المحرَّم نزل مؤنس والجيش معه وعدلوا


(١) في (خ ف): على عوائدكم كما كنتم، والمثبت من تكملة الطبري ٢٦٠.