واستأذن القاهرَ في الدُّخول على شفيع ومُخاطبته، فأذِن له، فدخل عليه، وخاطبه ولاطَفه فلم يُذْعِن بشيء، فأغظ له وقال: يا شفيع، إن لم تعرف حقَّ مولاك، ولم تُعاونْه على أمره بما يُثَبِّتُ دولتَه وإلا صُفِعْتَ بالنِّعال، فبكى شَفيع، ولَطَم على رأسه، ولم يُفارقه الحسن حتى أخذ خَطَّه بخمسين ألف دينار مُعَجَّلةً، ودخل بالخطِّ إلى القاهر، فوَقَع منه أحسنَ مَوْقع.
ودخل شفيعٌ على مؤنس فشكا إليه، فخاطبه مؤنس بمَحْضَرٍ من الناس أغلظَ خِطاب، فقال: أنت غلامي، اشتريتُك بعد أن أعتقَني المعتضَّدَ، وضَمَمْتُك إلى المقتدر، وولَّيتُك البصرة، وجعلتُ لك الإقطاعات، وتَبِعك الرجال، وضُرِبَت على بابك الدَّبادِب في أوقات الصَّلوات، وبلَّغتُك أعلى المراتب، فكافئتَني بأن سعيتَ في دمي ودم خواصِّي الذين هم عندي أولادي، ثم لم يكن لي عندكَ من المقدار ما تُكاتبني وتَعتذرُ إليَّ، أوتنافقني وتطلب منِّي أمانًا، وأن أُوصلَك إلى أمير المؤمنين؟! وبعد هذا، فلستُ أعارضُ أمير المؤمنين في أمرك وأمانِه لك، ولكنِّي ما بعتُك من المقتدر ولا وهبتُك له، وقد حلفتُ يمينًا غليظةً على أنَّني متى تمكَّنتُ منك ناديتُ عليك، وبعتُك كما يُباع مثلُك.
ثم أمر مُناديًا فنادى عليه، فبلغ سبعين ألف دينار بحضرة مؤنس في داره، فاشتراه الكلوذاني للقاهر، وكتب العُهْدةَ بالبيع، وأشهد فيها القُضاة والعُدول، فقال مؤنس: يُعتَقلُ في دار بليق حتى يؤدِّي المال.
وأحسن إليه بليق وكان يأكل معه، وأشهد عليه القاهر بعتقه، وأدَّى بعض مال المُصادرة، وبقي عليه عشرون ألفًا فضمنها بليق والكلوذاني وبشرى.
وأُطلق شَفيع إلى داره، ثم صار إلى دار مؤنس واستعطفه، فعَطَف عليه، وأحسن إليه، وضمَّ إليه خمسين فارسًا ورجَّالةً يَخدمونه، وأطلق ضياعه وأسبابه.
وأمر القاهرُ القضاةَ والعُدول بأن يَشهدوا على والدة المقتدر بأنَّها قد حَلَّت أوقافَها، وأذِنَت في بيعها لعلي بن العباس النُّوبَختي، وقالت: هذه أماكنُ وقفتُها على مكة والثغور والفقراء والمساكين، فلا يَحِلُّ لي حَلُّها، فاستدعى القاهر القاضي عمر بن محمَّد والشهود، وأَشهَدَهم على نفسه أنَّه قد حلَّ وُقوفَها، وأذن في بيعها النوبختي.