للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر طرف من أخباره:

[قال الصولي:] كان النساء قد غَلَبْنَ على المقتدر؛ حتى كانت ثَمَلُ القَهْرَمانة تجلس للمظالم ويحضرها القضاة.

وكان جوادًا، سخيًّا، يَصرفُ في كلِّ سنةٍ في طريق مكة والحَرَمَين ثلاثَ مئة ألف دينار ونيِّفًا وخمس عشر ألف دينار، ويُجري على مَن يتولَّى الحِسْبَةَ والمَظالمَ في جميع البلاد أربعةً وثلاثين ألفَ دينار وزيادة، وعلى أصحاب البريد تسعةً وسبعين ألفًا، وكان في داره أحد عشر ألف خادم خِصيان غير الصَّقالبة والروم والسودان [وقد ذكرنا ما كان في داره لما بَعَث ملكُ الروم إليه الرسول في سنة خمسٍ وثلاث مئة.]

وكانت جواهرُ الأكاسِرةِ وغيرِهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية، ثم إلى السَّفَّاح، ثم إلى المنصور، ثم إلى المهدي، وفيها الجبل الياقوت الذي اشتراه المهدي بثلاث مئة ألف دينار (١)، واشترى الرشيد جوهرًا بألف ألف دينار، ولم يزل الخلفاءُ يحفظون ذلك إلى أن آلت الخلافة إلى المقتدر، فأخرج الجميعَ على النساء وغيرهنَّ، وأعطى بعضَ حَظاياه الدُّرَّة اليتيمة، وزنُها ثلاثة مَثاقيل، ووهب بعضَه للخدم: صافي الحرمي وغيره، ووَجَّه منه إلى وزيره العباس بن الحسن، فردَّه وقال: هذا الجوهر عِدَّةُ الخلافة ولا ينبغي أن يُفرَّق.

وكانت زَيدان القَهْرمانة متمكِّنةً من الجوهر، فأخذت سُبْحَةً لم يُرَ مثلُها، فكان يُضرَب بها المثل فيقال: سُبحةُ زيدان، فلمَّا ورد علي بنُ عيسى على المقتدر قال له: ما فعلت سبحة جوهر قيمتُها ثلاثُ مئة ألف دينار أُخذَت (٢) من ابن الجَصَّاص؟ فقال: في الخزانة، فقال: تُطْلَب، فطُلِبَت فلم تُوجَد، فأخرجها علي من كُمِّه وقال: إذا كانت خزانة الجوهر لا تُحفَظ فما الذي يُحفَظ؟ فقال المقتدر: فمن أين لك هذه؟ قال: عُرضَت عليَّ فاشتريتُها. فاشتدَّ ذلك على المقتدر.

[ولما قتل المقتدر] كان قد بقي منه في الخزانة شيءٌ يسير، فامتدَّت إليه أيدي الخَزَنة في أيام القاهر والراضي، فلم يبق منه شيءٌ.


(١) في ثمار القلوب ١٩٤، والمنتظم ١٣/ ٦٤: واشترى المهدي الفص المعروف بالجبل بثلاث مئة ألف دينار.
(٢) في (ف م ١): ما فعلت بسبحة زيدان قيمتها ثلاث مئة ألف دينار التي أخذت، والمثبت من (خ).