للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس إلا مُغالطتُه، فدعوتُ له وقلتُ: أنا المَسعود بمقتل مؤنس؛ لأنَّه قتل أبي، وقطع عني كلَّ سَبب كان بيني وبينه، فسكت عني، وما كنتُ أنام الليل خوفًا منه لا يَسُدُّ عليَّ كما سَدَّ على ابن المكتفي، فرأيتُ في المنام قائلًا يقول: ستنجو، فطاب قلبي.

وفيها خلع القاهر على أحمد بن كَيْغَلَغ وقلَّده أعمال مصر.

وفيها استحضر القاهرُ إلى داره أعيانَ أهل بغداد على يد سَلامة الحاجب والوزير أبي جعفر، مثل: سليمان بن الحسن، والفضل بن جعفر، وأبي القاسم الكَلْوَذاني، وأبي العباس الخَصيبي، وأبي يوسف عبد الرحمن بن محمَّد، والقاضي أبي الحسين عمر بن محمَّد، والحسن بن عبد الله بن أبي الشَّوارب القاضي، وأبي طالب بن البهلول القاضي، والعدول من الجانبين، فاستُحلِفوا بالأيمان المُغَلَّظة على أنَّه ليس عند واحدٍ منهم محمَّد بن علي بن مُقْلَة، ولا أحدٌ من أسبابه وكتَّابه وإخوته وأولاده، ولا الحسن بن هارون، ولا أحمد بن قرابة (١)، ولا مال عندهم ولا وديعة، ومتى ظهر عند أحدهم شيءٌ من ذلك فقد حلَّ لأمير المؤمنين مالُه ودمُه، واستحقَّ من العقوبات أغلظَها، وكتب القاضي أبو الحسين عمر بن محمَّد النسخةَ وأخذ خطوطَهم فيها، ثم حلفوا وأطلقوا، واستحلفهم ثانيًا وأكَّد الأيمان.

وفيها أمر القاهر بتحريم القِيان والخمر وسائر الأنبِذة، وقبض على المغنِّين، ونفى المَخانيث، وكسر آلات اللَّهو، وقبض على جماعةٍ من الجَواري المملوكات المغنِّيات، وتقدَّم ببيعهن على أنهن سَواذِج (٢)، ومنع أصحابَ قُدور النَّاطِف (٣) أن يُعيروا قدورَهم لمَن يَطبخ فيها التمرَ والزَّبيب للأنبذة، وكان مع ذلك يشرب المَطبوخ والسُّلاف، ولا يكاد يَصحو من السُّكر، ويختار من الجواري القِيان المُغَنِّيات ما يريد، ويَسمع غناءهنَّ.


(١) كذا سماه الصولي (١٣٢) (ما لم ينشر من الأوراق)، والقرطبي في صلة الطبري ٩٩، وسماه ابن الأثير في الكامل ٨/ ٤٩١: محمَّد بن أحمد بن قرابة.
(٢) في الكامل ٨/ ٢٧٣: على أنهن سواذج لا يعرفن الغناء، ثم وضع من يشتري له كل حاذقة في صنعة الغناء، فاشترى منهن ما أراد بأرخص الأثمان.
(٣) نوع من الحلوى يصنع من اللوز والجوز والفستق.