واستَدلُّوا على الموضع الذي فيه أبو العباس محمد بن المقتدر، وأخرجوه هو ووالدته، وسلَّموا عليه بالخلافة، وأجلسوه على سرير الملك، وبايعه القوَّاد، وطَريف السبكري، وبدر الخَرْشَني، ولقَّبوه الراضي بالله.
وأحضر علي بن عيسى، والقاضي أبا الحسين عمر بن محمد، والقاضي أبا محمد الحسن بن عبد الله بن أبي الشَّوارب، والقاضي أبا طالب بن البُهلول، وجماعة من الشُّهود، فدخلوا على القاهر، فقال له طريف السبكري: ما تقول؟ فقال القاهر للقاضي أبي الحسين: ألستَ تعرفُني؟ قال: بلى، قال: أنا محمد أبو منصور بن المُعْتَضد، لي في أعناقكم بَيعةٌ، وفي أعناق سائر أهلي والقواد، ولستُ أُبرئكم منها ولا أُحلُّكم فقوموا، فلمَّا بعُدوا عَدلَ القاضي إلى طريف وقال: وأيُّ شيءٍ كان مَجيئُنا إلى رجل هذا اعتقادُه؟
ثم دخلُوا على عليِّ بن عيسى فأخبروه، فقَطَّب ثم قال: يُخلَع ولا يفكَّر فيه، أفعالُه مَشهورة وأعمالُه مَعروفة، فقال له القاضي: فإيش كان الحاجة إلى اجتماعنا به؟ فنحن لا تقوم بنا الدُّول، وإنَّما نُراد للشهادة وللاستسقاء.
قال القاضي أبو الحسين: فدخلتُ على الراضي، وأعدتُ عليه ما جرى سرًّا، وأعلمتُه أنِّي أرى إمامته فَرْضًا، وكنتُ أُفاوض مؤنسًا في ذلك، وأُقوِّي عزمَه فيه لمَّا قُتل المقتدر، وكان رأيُ مؤنس كرأيي حتى عارَضَنا القَدَر، وقد وقع الخطأ من علي بن عيسى حيث جمعنا وإياه، فقال الراضي: انصرف ودعني وإياه.
وأشار (١) سيما على الراضي سَمْلَ القاهر، فستر ذلك عن علي بن عيسى، وأرسل سيما وطريفًا السبكري إلى البيت الذي فيه القاهر، فكُحِّل بمِسمارٍ مُحَمَّى، ثم ظنَّ أنَّه لم يستقص عليه فأعاد كحله ثانيًا، وذلك بعد أن حضر إلى بين يديه وبايعه.
وطلب الراضي من علي بن عيسى أن يتقلَّد الوزارة فقال: ليتقلَّدها أخوك عبد الرحمن، فقال: لا، فقال سيما للراضي: عليك بابن مُقْلَة فهو كان السبب فيما علمت، فاستوزره بعد أن كتب له أمانًا وللحسن بن هارون.
(١) في (خ): فأرسل، وهو خطأ، والمثبت من تاريخ الإسلام ٧/ ٤٠٨.