للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رُطَبةً واحدة، وإذا برجل قد قبض على يدي وقال: يا خير، أَبَقْتَ منِّي، وكان له غُلامٌ اسمُه خير قد هرب منه، فوقع عليَّ شَبَهُه، فاجتمع علينا الناس فقال: هذا غلامي خير الذي هرب، فصَدَّقه الناس، وبقيتُ مُتَحيِّرًا، وعرفتُ من أين أُتيت، فحَملني إلى حانوته الذي يَنْسُج فيه غلمانُه، فلمَّا رأوني قالوا: يا عبدَ السُّوء، أَبَقْتَ من مولاك، عُدْ إلى النَّسْج كما كنت تعمل.

قال: فجلست على بئر الكِرْباس (١)، ودلَّيتُ رجلي لأعمل، فكأنِّي كنتُ أعمل من سنين، فأقمتُ عنده أعمل أربعةَ أشهر أنْسِجُ، فقمتُ ليلةً وقتَ السَّحَر، فصلَّيتُ وسجَدتُ وقلتُ: يا إلهي لا أعود إلى ما فعلتُ، فأصبحتُ وقد زال عنِّي الشَّبَه، فأُطلقتُ، ورجعتُ إلى صورتي، وثَبَت عليَّ هذا الاسم، وكان السبب إتياني شَهوةً عاهدتُ الله أن لا آكُلَها فعاقبني.

ثم قال: لا نَسَبَ أشرفُ من نسب مَن خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلَّمه الأسماء كلَّها، فلم يعصمه ولم ينفعه في وقت جَرَيان القدر عليه (٢).

وذكر في "المناقب" بمعناها فقال: كان خير [النسَّاج] يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر، فأُوذي أذًى كثيرًا، فخرج هاربًا من البلد، قال [خير:] فمررتُ بقريةٍ فيها دَكاكين، فجلستُ على باب دُكَّان، وإذا بصاحب الطِّرَاز قد خرج فقال: أين ذهبتَ؟ فنظرتُ وإذا أنا أسودُ مُفَلْفَلُ الشَّعَر، فاستعملني في النَّسج شهرًا، فعاهَدْتُ الله أنِّي أعود إلى ما كنتُ عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، فعاد إليَّ لَوني وحالي، فخرجتُ من الطِّراز، وجلستُ على بابه أحفظُه لصاحبه حتى يعود، فجاء فسلَّم عليَّ وقال: عافاك الله، رأيتَ غلامًا أسودَ خرج من هذا الطِّراز؟ قلتُ: لا، فدخل طِرازه، وانصرفتُ (٣).


(١) في (ف م ١): فجلست بين الكرباس، وفي الحلية وتاريخ بغداد: فأمرني بنسج الكرباس. والكرباس: ثوب من القطن الأبيض غليظ، وهو معرب عن الفارسية. القاموس المحيط.
(٢) قال الخطيب في تاريخه ٩/ ٣٠٩: جعفر الخلدي ثقة، وهذه حكاية ظريفة جدًّا يسبق إلى القلب استحالتها، وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مِقْسَم عن الخلدي، وكان ابن مقسم غير ثقة، فالله أعلم.
(٣) مناقب الأبرار ٢/ ١٩.