به، ولا تُعطينا إلا اليسير، وقَصْدُه هلاكُنا، وقد كتب إليك الحجريةُ: لم يَبق لنا شيخٌ سواك، فإما دخلتَ إلى بغداد فجميع مَن بها يُسلّم إليك الرِّئاسة؛ أوَّلُهم محمد بن رائق لسنِّك، فإنك عنده مثل الوالد، وإما أن تسير إلى الأهواز فتَطْرُدَ البريدي عنها، ونحن في خمسة آلاف، وهو في عشرة آلاف، لكنَّه بمنزلة كاتب، وأيُّ قُدرة له؟! فقال: حتَّى أنظر.
فغضب مؤنس وقال: العسكر بمُقَدَّمه، وأنت أنت، وقد قال بُوَيه: لو كان في عسكر ياقوت مئةٌ مثله ما لقيتُه، فقال: اصبر.
فخرج مؤنس من عنده مُغضَبًا في ثلاثة آلاف رجل، ووافى عسكر مُكْرَم يريد الأهواز وقال: أنا لا أعصي مولاي، ولكن أفتح الأهواز وأسلِّمها إليه.
وكان على شُرطة عَسْكَر مُكْرَم رجلٌ يقال له: درك، فكتب إليه ياقوت: إنَّ مؤنسًا خرج بغير إذني، فسَلْه أنْ يَلْبَث حتَّى أصل، فخاطبه درك خطابًا عظيمًا، وعَذَلَه، وجرى له معه خُطوبٌ حتَّى أجاب، ووافاه ياقوت في اليوم الثاني، فوافى عسكر البريدي بأسره مع غلامه أبي جعفر الحَمَّال.
ووقعت المُنازلة فقال ياقوت لمؤنس: الخليفةُ لنا بالنيَّة التي قد علمتَها، وقد فعل بابنَيَّ ما فعل، فما يَنْصَلح لي أبدًا، وفارس فقد غُلِبنا عليها، وقد جرى علينا ما قد علمتَه، ولا مَذْهَب لنا في الدنيا ولا زاوية إلا هذا البلد، والحَرْب سِجال، وقد كَثُر عسكر هذا الرجل، فإن نحن قاتلناه؛ كنَّا بين أن نَنهزم فنُحمَل إلى الخليفة، فنُشهَر ونركب الفيل، ثم يُظَنُّ بي أنِّي كفرتُ نعمةَ مولاي، فأُلعَن، وإما أن أُقتَل، والمَصْلحةُ المُقارَبَة لهذا الرجل، ونعود إلى تُسْتَر، ونسير منها إلى الجَبَل، فإن استقام لنا أمرٌ وإلا لحقنا بخُراسان.
وشاع هذا الكلام، فضَعُفَت نفوسُ أصحابه، وطالت الأيام، وتسلَّل أصحابه إلى البريدي، حتَّى بقي في ألف رجل، ومؤنس يَحُثُّه على القتال ويقول: مضى أصحابُنا، وهو يقول: مَن مضى لا ينفعنا.
ولمَّا علم البريدي بحاله راسلَه بالقاضي أبي القاسم التنوخي أنَّه على العَهْد والميثاق، وأنَّه كاتبُه، والإمْرَةُ ما تَصلُح إلا له، وإنَّما قد ابتُلي بهؤلاء الرجال، وأنَّه