للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحل في طلب العلم والحديث إلى الأمصار مع أبيه، قال: ولم يدعني أبي أشتغل بالحديث حتَّى ختمت القرآن على الفضل بن شاذان، ثم كتبتُ الحديث.]

وكان إمامًا فاضلًا، صنَّف "الجرح والتعديل".

وقال أحمد بن عبد الله النيسابوري (١): كنا عنده وهو يقرأ علينا (٢) كتاب "الجرح والتعديل" الَّذي صنَّفه، فدخل يوسف بن الحُسين الرَّازي، فجلس وقال: يا أبا محمد، ما هذا؟ فقال: الجرح والتعديل، قال: وما معناه؟ قال: أُظهر أحوال العلماء مَن كان ثقة ومَن كان غير ثقة، فقال له يوسف: أما استحييتَ من الله؟! تذكرُ أقوامًا قد حَطُّوا رَواحِلَهم في الجنّة أو عند الله منذ مئة سنة أو مئتي سنة تَغتابُهم؟

فبكى عبد الرحمن وقال: يا أبا يعقوب، والله لو طَرَق سمعي هذا الكلام قبل أن أُصنِّفه ما صنفتُه، وارْتَعَد وسقط الكتابُ من يده، [وقام] ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئًا.

[قلت: وقد فات ابنَ أبي حاتم الجوابُ، فإنه كان يقول: ما كلامي فيمن حَطُّوا رواحِلَهم عند الله، وإنما كلامي مع أقوامٍ أفسَدوا الشَّريعة، وقصدوا إيقاعَ الشكِّ في قلوب العوام، والتَّلاعبَ بالدين؛ بوضع أخبارٍ أحلوا فيها الحرام وحرموا فيها الحلال، كما فعل عبد الكريم بن أبي العَوْجاء وغيره.]

وقال ابن أبي حاتم: قدمتُ مع أبي إلى الشام، فدخلنا مدينةً، فرأينا [فيها] رجلًا قائمًا، بيده حَيَّةٌ يلعبُ بها ويقول: مَن يُعطيني درهمًا حتَّى أبلَعَها؟ فالتفت إليَّ أبي وقال: احفظ دراهمَك يا بُنيّ، فمن أجلها تُبلَع الحَيَّات.

أسند ابن أبي حاتم عن خلق كثير، واتَّفقوا على فَضْله، وصدْقه، وأمانته، ومَعْرِفته [وعبادته.


(١) في (م ف م ١): وحكى أحمد بن عبد الله النيسابوري قال، والمثبت من (خ).
(٢) القائل: كنا عنده وهو يقرأ علينا؛ هو محمد بن الفضل العباسي كما في تاريخ دمشق ٤١/ ٣٤٣، إذ روى الخبر من طريق أحمد بن محمد بن عبد الله النيسابوري، عن علي بن محمد البخاري، عن محمد بن الفضل العباسي: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو ذا يقرأ علينا.