للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إشارة لطيفة، فقلت في نفسي: شابٌّ صحيحُ البَدَن ما يأنَفُ من هذا!؟ فصاح في وجهي صيحةً عظيمةً، وقال: أعوذ بالله ممَّا اخْتَلَجَ في صدرك، وخامَرَ سِرَّك، فغُشِي عليَّ، وسقطتُ على وجهي، فخرج خادمٌ لنا، فرفع رأسي من الأرض وجعله في حِجره.

فلمَّا أفقتُ لم أرَ الشابَّ، فتحَسَّرتُ ونَدمتُ على ما كان منِّي، وبِتُّ ليلتي مَغمومًا، فرأيتُ عليَّ بن أبي طالب في المنام ومعه الشاب، وهو يُوَبِّخني ويُؤنِّبني (١) على ما كان منِّي، فانتبهتُ، وخَرَجتُ عن جميع ما كنتُ فيه، ثم سافرتُ، وسمعتُ بوفاة أبي بعد خمس عشرة سنة، فسألتُ الله العَوْنَ على خلاصي مما وَرِثتُ فأعانني، وكان معي للشاب عينٌ ما فارقَني الحياءُ منه، ولا يُفارقني حتى ألقى الله تعالى.

وقال أبو عبد الله الرازي (٢): كان يقال: عجائبُ بغداد ثلاثة: إشاراتُ الشِّبْلي، وحكاياتُ إبراهيم الخَوَّاص، وبكتُ المُرتَعِش.

وقال المرتعش (٣): سافرتُ ثلاثين سنةً أمشي كل سنة ألفَ فَرسَخ، لا أُرافقُ أحدًا، وإن فُتِح لي بنصف رغيف طالبتُ نفسي بالمُواساة.

[وحكى السُّلمي عنه أنه] قال: مَن ظنَّ أنَّ أفعاله تُنْجيه من النار، وتُبلِّغُه الرِّضوان؛ فقد جعل لنفسه ولفعله خَطَرًا، ومَن اعتمد على فَضْل الله بلَّغه الله منازلَ الرضوان (٤).

[قال:] وقيل له: إنَّ فلانًا يمشي على الماء فقال: إنْ مكَّنه الله من مُخالفة هواه كان أعظمَ من المَشْي على الماء (٥).

[وقال السُّلمي:] قال رجل للمُرْتَعش: قد طال الليلُ وبَرَد الهواء، فأنشد يقول: [من الخفيف]


(١) في (م م ١): ويلومني.
(٢) في (م ف م ١): وحكى الخطيب عن أبي عبد الله الرازي قال. والمثبت من (خ)، والخبر في تاريخ بغداد ٨/ ١٤٧.
(٣) في (م ف م ١): وحكى في المناقب عن المرتعش قال. والمثبت من (خ)، والخبر في مناقب الأبرار ٢/ ٥٢.
(٤) ما بين معكوفين من (ف م م ١)، والخبر في طبقات الصوفية ٣٥٢.
(٥) في (خ): إن من مكنه … والمثبت من (م ف م ١)، وفي طبقات الصوفية ٣٥٢: عندي أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء.