للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واسعة، فأصلحتُ مَوْضعًا، وجلستُ فيه وقلت: إنْ متُّ لا أفسدُ على الناس الماء، وطابَت نفسي وسكَنَ قلبي.

فبينا أنا قاعدٌ إذا بخَشْخشةٍ، فتأمَّلتُ وإذا بأفعى قد تَدَلَّى علي، فرجعتُ إلى نفسي فإذا هي ساكنة، فدار بي وأنا هادئُ السرِّ لا أضطرب، فلفَّ ذَنَبَه عليَّ، وأخرجني من البئر، وحلَّ عني، ولا أدري أين ذهب، فلا أدري أسماءٌ رَفعَتْه أو أرضٌ بَلَعَتْه.

[وحكى عنه في "المناقب" أنه] قال: كنتُ بمكة، فوقع في خاطري انزعاج، فخرجتُ إلى المدينة، فبينا أنا أسيرُ ببئر مَيمون وإذا بشابٍّ مَطروح، فعدلتُ إليه وهو يَنْزع، فقلت: قل لا إله إلا الله، ففتَح عينَيه وقال: [من الخفيف]

إنْ أنا متُّ والهوى حَشْوُ قلبي … فبِداء الهوى يموتُ الكرامُ

وماتَ، فغَسَّلتُه وكفَّنتُه ودفنتُه، وسكَنَ ما بي فرجعتُ إلى مكة (١).

[وحكى عنه في "المناقب" أنَّه] قال: متى ظَهرت الآخرةُ فنمِت فيها الدنيا.

و: مَن استغنى بالله أحوج اللهُ الخلقَ إليه.

وسئل عن المعرفة فقال: أن تَعرفَ الله بكمال الرُّبوبية، وتعرفَ نفسك بالعبودية.

وقال: الذَّنْب بعد الذنب عقوبةُ الذنب.

وقال: المُعْجَب بعمله مُسْتَدرَجٌ، والمُسْتَحْسِنُ لشيءٍ من أعماله ممكورٌ به، وكانت وفاتُه بمكة.

وهما مُزَيِّنان، صغير وكبير (٢)، فالصغير صاحبُ هذه الترجمة، والكبير كنيتُه أبو جعفر، قال المصنِّف ﵀: لم أقف على تاريخ وفاته وكان بمكة، [إلا أن الخطيب ذكر له حكاية فقال بإسناده عن] جعفر الخُلْدي [قال:] وَدَّعتُ (٣) المُزَيِّن الكبير في بعض حجَّاتي وقلتُ: زوِّدني شيئًا، فقال: إنْ ضاع منك شيء، أو أردتَ أنْ


(١) مناقب الأبرار ٢/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٢) قال الذهبي في السير ١٥/ ٢٣٢: وما يظهر لي إلا أنهما واحد.
(٣) في (خ): وكان بمكة قال جعفر الخلدي ودعت، والمثبت من (م ف م ١)، والخبر في تاريخ بغداد ٨/ ١٤٨، وعنه المنتظم ١٣/ ٣٨٨ - ٣٨٩.