للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد ببغداد سنة اثنتين وسبعين ومئتين، وأولُ تصرُّفه مع أبي عبد الله محمد بن داود بن الجَرَّاح سنة ثمان وثمانين، فأقام معه ثمانيةَ أشهرٍ، ثم انتقل إلى أبي الحسن بن الفرات قبل تقلّده الوزارةَ.

ثم آل أَمرُه أنْ وَزَرَ لثلاثة خلفاء؛ للمقتدر سنة ستَّ عشرة وثلاث مئة، وقبض عليه في آخر سنة سبع عشرة، ووزر للقاهر سنة عشرين، [واستتر عنه خوفًا منه سنة إحدى وعشرين] فلم يظهر حتى بُويع للرَّاضي.

وقال: كنتُ مُسْتَترًا في دار أبي الفضل بن ماري النَّصراني بدَرب القَراطيس، فسُعِيَ بي إلى القاهر، وعرف موضعي، فإنِّي لَجالسٌ نصف الليل وإذإ بالشارع قد امتلأ بالخَيل والمَشاعل، وهجموا الدار، فدخلتُ بيتًا فيه تِبْنٌ، فدخلوه وفتَّشوه بأيديهم، وأيقنتُ أنِّي مأخوذٌ، فعاهدتُ الله على تَرْك ذنوبٍ كثيرة، وأنَّني متى تقلَّدتُ الوزارة أمَّنتُ المستَتِرِين، وأطلقتُ ضِياع المَنكوبين، ووقفتُ وقوفًا على الطَّالِبيين، وخرج الطَّلَبُ وكفاني الله أمرَهم (١).

وكان ابنُ مُقْلَة قد نفى أبا العباس أحمد بن عبييد الله الخَصِيبي وسليمان بن الحسن إلى سَرَنْدِيب، وكلاهما وَزَر للمقتدر، فقال الخَصيبي لسليمان لمَّا خبَّ بهما البحرُ: اللهم إنِّي أتوبُ إليك من مَعاصيك، إلا من مَكروهٍ أُوقِعه بابن مُقْلَة، فردَّهما البحر إلى عُمان، فعادا إلى بغداد مستَتِرَين، فلمَّا عزل الراضي ابنَ مُقْلَة من الوزارة ضَمِنَه الخَصيبي بألفي ألف دينار، وحلَّت به المَكاره من قِبَله.

وكان ابن مُقْلَة إذا صادر أحدَهم هدَم دارَه، وأخذ أنقاضَها فبنى بها دارَه بالزَّاهِر، ولمَّا أراد أن يَضعَ أساسَها جمع المُنَجِّمين، فاختاروا له وقتًا لبنائها، فكان يجلس يقرأ القرآن والأسْطُرلاب بيده، فكتب إليه بعضُهم: [من البسيط]

قل لابن مُقْلَةَ [مَهْلًا] (٢) لا تكن عَجِلًا … واصبِر فإنَّك في أضْغاثِ أحلامِ


(١) تكملة الطبري ٣٢١، والمنتظم ١٣/ ٣٩٤.
(٢) ما بين معكوفين من تكملة الطبري ٢٩٩، والمنتظم ١٣/ ٣٩٥، وتاريخ الإسلام ٧/ ٥٦١، والسير ١٥/ ٢٢٨.