للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس النُّدَماء وأوصلهم إليه، وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وخزائنه ومجالسه وأسبابه تجري على ترتيب المتقدِّمين من الخلفاء، ووقع حريقٌ بالكَرْخ فأطلق خمسين ألف دينار لعِمارة ما احترق.

وقال الصولي: سئل الراضي أن يخطُبَ يوم الجمعة ويصلِّي بالناس، فصَعِد المِنْبَر بسُرَّ مَن رأى، فحضرتُ أنا وإسحاق بن المعتمد في المقصورة، فلمَّا خطب شَنَّف الأسماع، وبالغ في المَوْعظة، فوقعت عينُه علينا فأوجز في خطبته، ثم نزل فصلَّى بالناس، فما وصلتُ إلى داري إلا ورسوله قد سبقني، فدفع إليَّ رُقعة ففتحتُها، وإذا هي بخطِّه يقول فيها: أبقاك الله يا محمد، لقد لحَظَك طَرْفي وأنا أخطُبُ وإلى جانبك إسحاق، فَعرِّفني على تجريد (١) الصِّدق واتِّباعك الحق؛ هل تهجَّنَ الكلام بزيادةٍ فيه، أو اختَلَّ بنقصان منه، أو وقع ذلك في اللفظ، أو إحالة في المعنى، جاريًا على عادتك في حال الإمرة غير مقصِّر عنها للخلافة إن شاء الله تعالى.

فكتبتُ إليه بعد الدعاء له: وأميرُ المؤمنين أجلُّ خَطَرًا وقَدرًا، وأسنى مَجْدًا وفَخْرًا، وأوسعُ خاطرًا وفِكْرًا، من أن يبلغَ خطيبٌ خطبتَه، أو يَروم بليغٌ بلاغتَه، وهو أدام الله دولته، وأطال في العزِّ مدَّتَه، كما قال حسان بن ثابت في وصف جدِّه عبد الله بن عباس: [من الطويل]

إذا قال لم يَترُك مَقالًا لقائلٍ … بمُلْتَقَطاتٍ لا نرى بينها فَصْلا

كفى وشفى ما في الصُّدور فلم يَدَع … لذي إرْبةٍ في القول جِدًّا ولا هزْلا

يقول مقالًا لا يقولون مثلَه … كنَحْتِ الصَّفا لم يُبْقِ في غايةٍ فَضْلا (٢)

وقال الخطيب: حدثنا علي بن المُحَسِّن التَّنوخي، عن أبيه قال: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى الصولي يحكي أنه دخل على الراضي (٣) وهو يبني شيئًا [أو يهدم شيئًا]، وهو جالس على آجُرَّةٍ حيال الصُّنَّاع، وكنتُ أنا وجماعةٌ من الجُلَساء قيامًا،


(١) في أخبار الراضي ٧٨: تحري.
(٢) من قوله: ورفع إليه أن عبد الرَّحمن بن عيسى … إلى هنا ليس في (م ف م ١).
(٣) في (خ): وقال الصولي دخلت عليه. والمثبت من (م ف م ١). والخبر في نشوار المحاضرة ١/ ٢٩٨، وتاريخ بغداد ٢/ ٥٢١، والمنتظم ١٣/ ٣٣٧ - ٣٣٨.