الله تعالى، وأنَّ جبريل ينزل به على محمد ﷺ، والأئمةُ المُعْتَمد عليهم قالوا: إنَّه قديمٌ، والمعتزلة قالوا: إنَّه مخلوقٌ، فوافق الأشعريُّ المعتزلةَ في أنَّه مخلوق، وقال: ليس هذا كلامُ الله، وإنَّما كلامُ الله صفةٌ أزلية قائمةٌ بذات المتكلّم، ما نزل، ولا هو مما يُسمَع، وما زال منذ أظهر هذه المقالة خائفًا على نفسه، حتى استجار بدار أبي الحَسن التميمي حَذَرًا من القتل، ثم تبعه أقوامٌ من السلاطين فتعصَّبوا لمذهبه، وكثُر أتباعُه، حتى تركت الشافعيةُ مُعْتَقدَ الشافعي رحمة الله عليه، ودانوا بقول الأشعري.
وقال الأشعري: أقمتُ مُعْتَزلًا أربعين سنة، وكان تلميذَ الجُبَّائي لا يُفارقُه، ويدرُس عليه ويتعلَّم منه، ورجع عن مذهب المُعْتزلة، فطلع يوم الجمعة بعد الصلاة المنبر وبيده شريطٌ، فشدَّ به وَسَطَه، ثم قطعه وقال: اشهدوا أنِّي أتيتُ تائبًا مما كنتُ فيه من القول بالاعتزال.
وتوفي ببغداد، ودُفن بمَشْرَعة الرَّوايا، وقبرُه عافٍ لا يُلتفَت إليه.
وقال: لمَّا نفَت المعتزلةُ كلام الله وقالوا: إنَّه مخلوقٌ؛ وضعتُ هذه المقالة.
وله مقالتان؛ صنَّف كتاب "الإبانة" في أول أمره، وقرَّر فيه مذاهبَ السَّلَف وأهلَ السُّنة، ثم صنَّف المقالة الثانية.
وقال الحسن بن علي بن يَزداد: كان الأشعري جالسًا في سطح داره، فبال، فسال بولُه في المِيْزاب، فاجتاز والي البصرة فقطَرَ على ثيابه، فوقف وقال: اهدموا هذه الدار، فسمع أبو الحسن كلامَه، فنزل وفتح الباب وقال: أيها الأميرُ، أنا من ولد رجلٍ بال على الإسلام بسوء رأيه، فأنا أولى مَن عُذِر، فضَحِك الوالي ولم يتعرَّض له.
وكان يأكلُ من غَلَّة ضيعةٍ أوقفها جدُّه بلال بن أبي بُرْدَة على عَقِبه، فكانت نفقتُه في كلِّ سنة سبعة عشر درهمًا، وله خمسٌ وخمسون مُصَنَّفًا.
وحكي عنه العجائب والغَرائب مما يتعلَّق بالدّيانة، وليس له روايةٌ ولا سمع حديثًا، وتوفي في هذه السنة، وقيل: سنة أربعٍ وعشرين وثلاث مئة (١).
(١) من قوله: وفيها توفي بدر الخرشني … إلى هنا ليس في (م ف م ١)، جاء بدلها ترجمة عبد الله بن طاهر الأبهري، وقد سلفت في السنة الماضية، ونبهنا على ذلك ثمة.