للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسبب الحِصار [ببغداد] أنَّ الحال تغيَّرت بين معزِّ الدولة وناصر الدولة، فجمع ناصرُ الدولة، وكان قد انضمَّ إليه جماعة من الأتراك، وجاء فنزل سُرَّ مَن رأى، وخرج إليه معزُّ الدولة ومعه المُطيع في شعبان، وابتدأت الحرب بينهم بعُكبَرا.

وكان معزُّ الدولة قد تغيَّر على ابن شيرزاد، واستخانه في الأموال، فأحْفَظَه ذلك، ووقع القتال بين الفريقين، واندفع معزُّ الدولة والمطيع بين يديه (١).

وجاء ناصر الدولة فنزل بغداد من الجانب الشرقي ومَلَكها، وجاء مُعزُّ الدولة ومعه المُطيع في الاعتقال، فنزل الجانب الغربي، وكان قد وكَّل به جماعة خوفًا لا يمضي إلى ناصر الدولة، [وكان الطعام والمِيرة كثيرة في عسكر ناصر الدولة] ومعزُّ الدولة في ضِيقٍ وشِدّة، فعزم على المَسير إلى الأهواز، فقال: رُوزوا لنا الشَّطَّ، فإن قَدَرْنا على العبور كان أهون علينا، فعبر من الدَّيلَم جماعةٌ منهم أصفهدوست والصَّيمَري، وكان حافظَ الشَّطِّ في تلك الليلة [لناصر الدولة رجلٌ تركي يقال له: ينال كوشاه، وكان قد شرب تلك الليلة] وسَكِر هو وأصحابه وناموا، فلمَّا عَبرت الدَّيالمة اضطرب عسكرُ ناصر الدولة وانهزموا، وهرب ناصر الدولة.

وعبر معزُّ الدولة إلى الجانب الشرقي، وأحرق الدَّيلَم سوقَ يحيى، ووضعوا السَّيف في الناس، وسبَوا الحَريم، وخرج النساء مُشاةً إلى عُكبَرا، ومات منهنَّ خَلْق كثير من العَطَش، فروي أنَّ امرأةً حسناء كان عليها حُليٌّ وجواهر تساوي ألف دينار، فجعلت تصيح: مَن يأخذ ما معي ويَسقيني شربةَ ماء؟ فما التفت إليها أحدٌ، فوقعت ميتة، وما تعرَّض أحدٌ لما معها.

وفي تلك الليالي التي أقام ناصر الدولة في الجانب الشرقي [من بغداد] عَبر رجلٌ من الشُّطَّار من عسكر مُعزِّ الدولة [إلى خيمة ناصر الدولة] (٢)، فرآه نائمًا والشَّمْعَة عند


(١) في (خ): بين يدي ناصر الدولة، ومن قوله: فجمع ناصر الدولة … إلى هنا ليس في (م ف م ١)، والمثبت من تاريخ الإسلام ٧/ ٦٣٤، وانظر تكملة الطبري ٣٥٦، والمنتظم ١٤/ ٤٧، والكامل ٨/ ٤٥٣.
(٢) في النسخ: من عسكر معز الدولة إلى معز الدولة، وهو خطأ، والمثبت من تكملة الطبري ٣٥٧.