للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهذا؟! فقال: أفعلُ كما رأيتُ رسول الله [يفعل، رأيت رسول الله ] في المنام وقد أقبل الشبلي، فقام إليه واعتنقه، وقبَّل ما بين عينيه، ثم التفتَ إليَّ وقال: يا أبا بكر، هذا رجلٌ من أهل الجنة فأكرِمْه، فقلتُ: يا رسول الله، بم استحقَّ الشبلي منك هذا؟ فقال: منذ ثمانين سنةً يقرأ عقيب صلاته: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ﴾ الآية [التوبة: ١٢٨].

وقال الشبلي (١): رأيتُ مَعتوهًا يوم جُمعةٍ عند جامع الرُّصافة قائمًا عُريانًا وهو يقول: أنا مجنون، فقلتُ له: لِمَ لا تدخل الجامع وتتوارى وتُصلِّي؟ فقال: [من الطويل]

يقولون زُرْنا واقْضِ واجبَ حَقِّنا … وقد أسقَطتْ حالي حقوقَهمُ عنِّي

إذا ما رأوا حالي ولم يأنَفوا لها … ولم يأْنَفوا منها أنِفْتُ لهم منِّي

وحكى الخطيب عن عيسى بن علي بن عيسى الوزير قال (٢): كان ابن مجاهد يومًا عند أبي إذ دخل الشبلي، فقال ابن مجاهد لأبي: الساعةَ أُسكتُه، وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئًا خرَّق فيه موضعًا، فقال له ابن مجاهد: يا أبا بكر، أين في العلم إفسادُ ما يُنتَفَع به؟ فقال: يا أبا بكر، فأين في العلم ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: ٣٣]؟ فسكت ابن مجاهد، فقال له أبي: أردتَ أن تُسكتَه فأسكتك، ثم قال له الشبلي: قد أجمع الناس على أنَّك مُقرئ الوقت، فأين في القرآن أنَّ المحبَّ لا يُعذِّب حبيبه؟ فقال: ما أدري، فقال: في قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: ١٨] لمَّا ادَّعت اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه ردَّ عليهم، وهذا دليلٌ على أنَّه لا يعذِّب أحباءه، فقال ابن مجاهد: ما كأنِّي سمعتُها قط.

[وحكى الخطيب: أنَّ الشبلي مرَّ بطنجير الحَلاوي وهو يفور، فأدخل يده فيه، وأخرج منه ما ملأ رُقاقتَين، في حكاية طويلة (٣).


(١) في (م ف م ١): وحكى ابن سمعون قال: سمعت الشبلي يقول، والمثبت من (خ)، والخبر في المنتظم ١٤/ ٣٣.
(٢) في (خ): وقال عيسى بن علي بن عيسى الوزير، والمثبت من (ف م م ١)، والخبر في تاريخ بغداد ١٦/ ٥٦٧.
(٣) تاريخ بغداد ١٦/ ٥٧٠.