للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصلي الفَرْض] لا غير، ثم عجزتُ عن القيام، فأقمتُ اثني عشر يومًا أُصلِّي الفرضَ قاعدًا، فعجزتُ عن الجلوس، فلجأتُ بسرِّي إلى الله تعالى وقلتُ: إلهي، ضَمِنتَ لي رزقًا، وافترضْتَ عليَّ فرضًا تسألني عنه، فتفضَّل عليَّ برزقي لأقومَ بفرضك [حتى لا أعجز]، فوَعِزَّتك لأجتهدَنَّ أن لا أَحُلَّ عَقْدًا عَقَدْتُه معك، وإذا بين يدَيَّ [قُرْصان أو] رَغيفان بينهما شيءٌ، فكنت آخذهما دائمًا من ليل إلى ليل.

ثم طُولبتُ بالمَسير إلى ثَغْر الشام (١)، فسرتُ حتَّى دخلتُ الفَرَما، فوجدتُ في جامعها قاصًّا يذكرُ قصةَ زكريا والمِنْشار، ودخولَه إلى الشجرة، وأنَّ الله أوحى إليه حين نُشِر: لئن تأوَّهْتَ أو صَعِدَت إليّ منك أنَّةٌ لأَمْحُوَنَّك من ديوان النبوة، فصبر حتَّى قُطع نصفين، فقلت [: لقد كان زكريا صابرًا، ثم قلت] في نفسي: إلهي لئن ابتليتَني لأَصبِرَنَّ.

وسِرتُ فدخلتُ أنطاكية (٢)، فرآني بعضُ إخواني وعلم أنِّي أريد الثَّغْرَ، فدفع إليَّ سيفًا وتُرْسًا وحَرْبةً للسَّبيل، وكنتُ أحتشمُ من الله أن أُرى وراء سور خِيفةً من العدوّ، فخرجتُ إلى غابةٍ هناك، فكنتُ أكون فيها بالنَّهار، وأخرجُ بالليل إلى ساحل البحر، فأَغْرِزُ الحَرْبَة في الأرض، وأُسند التُّرْسَ إليها، وأتقلَّد السيف وأُصلِّي إلى الغَداة، فإذا صليتُ الصُّبحَ غَدوتُ إلى الغابة فكنتُ فيها نهاري، والقُرْصان يَحضُران عندي كلَّ ليلة.

فخرجتُ يومًا أمشي في الغابة، وإذا بشجرة بُطْم، [بعضه] قد بلغ، وبعضُه أخضر، وبعضه أحمر، وقد وقع عليه النَّدى وهو يَبْرُق، فاستحسنتُه، وأُنسيتُ عهدي مع الله تعالى، فمَدَدتُ يدي فقطعتُ منها عُنقودًا، وجعلتُ بعضَه في فمي، فبينا أنا أمْضُغُه ذكرتُ العَقْد، فرميتُ به من فمي وقلتُ: جاءت المِحْنةُ، ورميتُ التُّرْسَ والحَرْبةَ، وجَلَسْتُ ويدي على رأسي، فما استقرَّ بي جُلوسي حتَّى استدار بي فُرْسان ورَجَّالة وقالوا: قم إلى الأمير.


(١) في (م ف م ١): الثغر بالشام.
(٢) في (م ف م ١): قال وسرت حتى دخلت أنطاكية.