للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقام في وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان فاضلًا، شاعرًا، فصيحًا، حليمًا، أديبًا، نبيلًا، كثيرَ المعروف، جَوادًا، سَمْحًا، ذا مروءةٍ وأناة واصطناعٍ للرجال.

قال أبو إسحاق الصَّاغاني (١): صاغ الوزير دواةً ومَرْفَعًا (٢)، وحلَّاهما حِليةً ثقيلة، وكانت طولَ ذِراع وكسر في عرض شبر، فأُحضرت بين يديه، وكان الفضل بن عبد الرَّحمن الشِّيرازي جالسًا عن يمينه، وأنا على جانب الشيرازي، فاستحسنها الشيرازي وقال لي فيما بيننا: ما كان أحوجني إلى ثمنها لأنتفع به، قلتُ: وما يصنع الوزير؟ فقال: يدخل في حِر أُمِّه.

وسمع الوزير ما جرى بيننا، فلمَّا كان من الغد دخلتُ على الشيرازي فقال: عرفتَ خبرَ الدواة؟ قلتُ: لا، قال: جاءني بها البارحة رسولُه بمَرْفَعها ومعها خمسة آلاف درهم، ومِنديل فيه عشرُ قطع ثياب، وقال: الوزيرُ يقول: أنا عارفٌ بانقطاع الموادِّ عنك، وكثرةِ المؤن وتضاعفها عليك، وقد آثرتُك بهذه الدواة لما رأيتُ من استحسانك لها، وأضفتُ إليها ما تكتسي به، وما تَصرفُه في بعض نَفَقتك، فعجبتُ في اتِّفاق ما تجارَينا فيه وجاء هذا على أثَره.

وتقدَّم الوزير بصياغة دواةٍ أخرى فصِيغَت، ودخلنا مجلسه وهي بين يديه، وهو يوقع منها، فنظر إلينا ونحن نلحظها فقال: هي، مَن منكما يُريدها على الإعفاء من الدخول، فاستحيينا منه، وعلمنا أنَّه قد سمع قولَنا، وقلنا: بل يُمتِّع الله الوزيرَ بها ويُبقيه حتى يَهَب لنا ألفًا مثلَها.

وكانت وفاتُه ببغداد عن أربع وستين سنة، ودُفن بمقابر قريش، وقيل: إنَّه كان توجّه إلى عُمان فمات بها في الطريق، فحُمل في تابوت إلى بغداد، وقبض معزّ الدولة على أولاده، وكتَّابه، وأسبابه، وصادرهم، ثم استوزر أبا الفَضْل العباس بن الحسن الشِّيرازي.


(١) كذا في (خ) والمنتظم ١٤/ ١٤٢، وفي معجم الأدباء ٩/ ١٣٠: قال هلال [بن المحسن بن إبراهيم الصابئ]: وحدثني أبو إسحاق جدي. فلعل ما في المنتظم ومختصر المرآة تحريف.
(٢) حمالة للدواة.