حسنَ الوَقار، ظاهرَ الخشوع، دائمَ الصلاة، ولم يزل يتنفَّل منذ دخل المسجد إلى قريب قيام الصلاة، ثم جلس، ودخلت قلبي مَحبَّتُه.
ثم أقيمت الصلاة فلم يصلِّ مع الناس الجمعة، فكَبُر عليَّ ذلك، وغاظني فعلُه، فلما قضيتُ الصلاة تقدَّمتُ إليه وقلتُ له: أيها الرجل، ما رأيتُ أعجبَ منك، أطلتَ صلاةَ النافلة وأحسنتَها، ثم تركتَ الفريضةَ وضيَّعتَها؟! فقال: لي عذرٌ مَنعني من الصلاة، قلتُ: وما هو؟ قال: أنا مَديون اختفيتُ في منزلي مدَّة بسبب الدَّين، ثم حضرتُ اليوم الجامع، فقبل أن تُقامَ الصلاة التفتُّ فرأيتُ صاحب الدين ورائي، فمن خوفي منه أحدثتُ في ثيابي، قلتُ: ومَن صاحبُ الدين؟ فأشار إلى دَعْلَج، وكان صاحبٌ لدعلج إلى جانبه، فسمع ما نقول وهو لا يعرفه، فقام ومضى إلى دَعلج فأخبره بالقصة، فقال دعلج للرجل: خذه واذهب به إلى الحمَّام، واطرح عليه خِلْعةً من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع، ففعل الرجل ذلك.
فلما انصرف دعلج إلى منزله أمر بالطعام وأُحضر، وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه، فإذا عليه خمسةُ آلاف درهم، فقال له دعلج: انظر لا يكون عليك في الحساب غلط، فقال الرجل: لا والله، فكتب دعلج تحته بالوفاء، ثم دفع إليه خمسة آلاف درهم وقال: أما الحساب الأول فقد أحلَلْتُك منه، وأسألك أن تقبلَ هذه وتجعلَني في حلٍّ من الروعة التي دخلت قلبك في الجامع لمَّا رأيتَني، فقال: أنت في حلٍّ، وانصرف الرجل شاكرًا داعيًا.
[ذكر قصته مع ابن أبي موسى الهاشمي:
قال الخطيب: حدثني أبو منصور محمَّد بن أحمد العُكْبَري قال: حدثني] أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ قال: أُودِعَ أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار [ليتيم] فضاقت يدُه، وامتدَّت إليها فأنفقها، فلما بلغ الغلام [مبلغ الرجال] أمر السلطان بفكِّ الحَجْر عنه، وتسليم المال إليه.
قال ابن أبي موسى: فضاقت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَت، وتحيَّرتُ في أمري لا أدري من أيِّ وجهٍ أغرَم المال، فركبتُ من داري بُكرةً وقصدتُ الكَرْخ، ولا أدري أين أتوجَّه، وانتهت بي البغلةُ إلى دَرْب السَّلولي، فوقفتْ على باب مسجد دَعْلَج [بن