للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقال: اعلم] أني نَشأتُ في قراءة القرآن، وسمعتُ الحديث، وكنتُ أتَّجِر، فجاءني رجل من تُجَّار البحر فقال لي: أنت دَعلج بن أحمد؟ قلتُ: نعم، قال: قد رَغِبتُ في تسليم مالي إليك لتتَّجر به، فما سهَّل الله به من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحةٍ كانت في أصل المال.

فسلَّم إلى بارنامجات بألف ألف درهم، وقال في: ابْسُط يدَك، ولا تعلم مكانًا يَنْفَقُ فيه هذا المتاع إلا حملتَه إليه، ولم يزل يتردَّد إليَّ سنةً بعد سنة والبضاعة تنمي، وهو يحمل إليَّ شيئًا بعد شيء، فلما كان في آخر السنة اجتمعنا قال: أنا كثيرُ الأسفار في البحر، فإن قضى الله عليَّ بما قضى على خلقه فإذا المال لك، تصدَّق منه، وابْنِ المساجد، وافعل الخير، وغاب عنِّي مدةً، والظاهرُ أنَّه هلك، فأنا أفعل بالمال ما أمرني به، فاكتُم عليَّ هذا الحديث أيام حياتي.

وقال الدَّارَقُطني: استرجع مُعزّ الدولة من غلامه جاشتكين أموالًا، فطلب شهودًا يشهدون عليه أنَّه غيرُ مُكرَه، وجعلوه وراء سِتْر، وجُمع الشُّهود، وحضر دَعْلج، وشهدوا وقالوا له: اِشْهَد، فقال: وأين الذي أشهد عليه، لعلَّه مُكْرَه أو مُقَيَّد، أخرجوه لي حتى أراه، ولم يشهد، وبلغ معزَّ الدولة فقال: ما كان فيهم مسلمٌ غيره (١).

ذكر وفاته:

مات هذه السنة، وقيل: سنة ثلاث وخمسين يوم الجمعة (٢) حادي عشر ذي الحجة ببغداد، وله خمس وتسعون سنة.

وأسند عن خلق كثير، وكان ثَبْتًا، صدوقًا، ثقة، قَبِل الحكَّام شهادته وأثنَوا عليه، وكان الدارقطني هو المُصنِّفَ له كتبه، والناظِرَ في أصوله، وصنَّف له "المسند"، ولمَّا تمَّ بعث به إلى أبي العباس بن عُقْدَة لينظر فيه، وجعل بين كلِّ ورقتين دينارًا.


(١) تاريخ دمشق ٦/ ٨٧ (مخطوط).
(٢) في (م ف م ١): ذكر القاضي أحمد بن كامل أنه مات في هذه السنة، وذكر أبو بكر النيسابوري أنه مات في سنة ثلاث وخمسين يوم الجمعة، والمثبت من (خ).
وقد ذكر الخطيب في تاريخه ٩/ ٣٧١ - ٣٧٢ القول الأول منسوبا إلى محمَّد بن الحسين القطان والحسن بن شاذان، ونقلته عنه سائر المصادر، وذكر ابن عساكر في تاريخه ٦/ ٨٩ القول الثاني منسوبًا إلى أبي عبد الله الحافظ الحاكم النيسابوري.