للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان معزُّ الدولة أوَّلَ مَن أحدث ببغداد سبَّ الصحابة، ويوم عاشوراء، ويوم الغَدير، ونحو ذلك، وسأل القاضي عن الصحابة ، فذكر سَوابقَهم، وأن عليًّا رضوان الله عليه زَوَّج عمر رضوان الله عليه ابنتَه أم كلثوم، فاستعظم ذلك وقال: والله ما علمتُ بهذا، وتصدَّق بأموالٍ كثيرة، وأعتق مماليكه، وردَّ كثيرًا من المظالم، وبكى حتى غُشي عليه.

وقال أبو الحسين العَلَويّ: بينا أنا في داري على دجلة بمَشْرَعة القَصَب؛ في ليلة ذات غَيمٍ ورَعدٍ وبَرقٍ ومَطر إذ سمعتُ هاتفًا يقول: [مجزوء الكامل]

لمَّا بَلغتَ أبا الحسين … مُرادَ نَفْسِك في الطَّلَبْ

وأَمِنْتَ من نُوَبِ اللّيالي … واحْتَجَبْتَ عن النُّوَبْ

مُدَّت إليك يدُ الرَّدى … فأُخِذْتَ من بيتِ الذَّهَبْ (١)

فمات في تلك الليلة.

وكان له هَناتٌ وحَسَنات، أما الحسنات فكان قد سَدَّ فُوَّهةَ نهر الرُّفَيْل، وشَقَّ النَّهْرَوانات، وعمل المغيض بالسندية، وردَّ مواريثَ ذوي الأرحام.

ولما توفي جلس مكانَه ولدُه بختيار بعهدٍ منه، وجاء في ذلك اليوم مطرٌ شديد، وبعث بختيار مَن حفظ شوارع بغداد، وبعث إلى الحاجب سُبُكْتِكين بأن يَقْدم من واسط بالعساكر، فقدم، وركب بختيار للقائهم -ويقال: إن المطيع أيضًا ركب- فلما أقبل عزُّ الدولة؛ وأذناب خيله مُهْلَبة (٢)، وسُروجه مُقْلَبة، ولم يره الناس في صدر الموَكب على عادته ارتفع الضجيجُ والصُّراخ، وبكا بختيار والمُطيع والرجال والنساء، فلم يُرَ ببغدادَ باكيًا مثل ذلك اليوم، واشتغل الناسُ بالحُزن عليه عن الحركة؛ حتى الشطار والجُند، ودفع بختيار للجُنْد رزقًا منه، وقام بالأمر أحسن قيام.


(١) تكملة الطبري ٤٠٩، والمنتظم ١٤/ ١٨٣، ووفيات الأعيان ١/ ١٧٦، والوافي ٦/ ٢٧٩.
(٢) يعني مقطوعة أو منتوفة الشعر.