درهم، وترك الجميعَ بين يدي الشيخ وكان يساوي ألوفًا، ثم قال لهم: أخلوا له دارًا سَمَّاها، وكتب إلى الموصل بأن يُجرى على عياله ما يكفيهم.
ثم قال لكاتبه أبي إسحاق بن شهرام: اعتذر إليه، وعَرّفه أنه جاءنا في آخر السنة وقد اقتَسمت أموالنا الحقوقُ والزُّوَّار والجيوش.
فجاء ابن شهرام إلى الشيخ، فأخبره بما أطلق له والكلُّ حاضر، وكان يُعجبه إذا أطلق شيئًا لإنسان أن يُشاهده.
قال ابن معروف: فقلتُ لأبي إسحاق: لا تُورد على الشيخ هذا عَقيب اليأس العظيم الذي لحقه فتَنشقَّ مَرارتُه، فبكا بكاءًا شديدًا وقال: أيها الأمير، قد زدتَ على ما كان في ضميري بدرجات، فإن رأيتَ أن تأذنَ لي بتقبيل يدك؛ فإنه أعظم عندي من كلِّ عَطيَّة، فدنا الشيخُ منه فقبَّل يده، فسارَّه سيف الدولة بشيء. وانصرف الشيخ إلى الدار التي أُعِدَّت له، وقال له: أقم عندنا حتى نَنْظُرَ في أمرك.
قال ابن معروف: فسألتُ الخادم ما الذي أسرَّ إليه؟ فقال: أمر له بجاريةٍ وَصيفةٍ بِكْر من جواري أخته، ومعها حُليّ وجواهر تزيد على عشرة آلاف درهم، فحُملت إليه.
قال ابن مَعروف: فقلتُ، أيها الأمير، لم نسمع عن أحدٍ من أهل الأرض قديمًا ولا حديثًا بمثل هذا العطاء إلا عندك، فقال: دعني من هذا وأخبرني عن قولك: لا تورد على الشيخ هذا عَقيب الإياس فتَنشقَّ مَرارتُه! فقلت: كنتُ عند الصُّلحي وابن المغربي منذ ساعة، وجاء هذا الشيخ ومعه الرُّقْعَة، وقصصتُ عليه القصة، وقلتُ في آخرها: انصرف هذا الشيخ أخزى مُنْصَرف، وجاء إلى الأمير فعامله بمثل هذا، فخفتُ عليه.
فغضب غضبًا شديدًا وقال: عليَّ بالصّلحي وابن المغربي، فحضرا فقال: وَيحَكما، ألم أُحسن إليكما، ألم أَصطَنِعْكما وأُنوِّه بذكركما، وأُسني أرزاقكما وجوائزَكما، وعدَّد إحسانَه إليهما، وهما يشكرانه، فقال: ما أُريد هذا، وإنما أُريد أن تقولا: لا أو نعم، فقالا: بلى وزيادة، فقال: من حَقّي عليكما وشكري أن تقطعا رجاء مُؤَمِّلٍ مني، وتؤيسا قاصِدي من بِرّي، وتَنسباني إلى الضَّجَر والمَلَل؟! ما كان عليكما لو أخذتُما رُقعةَ الضَّرير، فإن أجرى الله على يدي شيئًا كنتما شَريكَي فيه، وإن ضجرتُ كان الضجَر منسوبًا إليّ وأنتما بريئان منه؛ وقد قضيتما حقَّ قاصِدِكما، فلا حَقه قضيتُما،