للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشام، ولَعن المعزَّ على منبر دمشق وأباه، وقال: هؤلاء من وَلَدِ القَدَّاح، كذَّابون مُمَخْرِقون أعداء الإسلام، ونحن أعلم بهم، ومن عندنا ظهر القَدَّاح.

ثم أقام الدعوة لبني العباس، وسار إلى مصر، وحصر المعزَّ في القاهرة، فأرضاه بمال، فرجع إلى الأحساء، ثم عاد إلى الشام، فنزل الرَّمْلَة فمات بها في رجب وهو يُظهر طاعةَ عبد الكريم الطائع، وجدُّه أبو سعيد الجَنَّابيّ أول القرامطة، وقد ذكرناه.

وكان أبو علي الحسن صاحب هذه الترجمة شاعرًا فصيحًا، قال الحسين بن عثمان الخِرقيّ الحَنبلي: كنتُ بالرملة سنة ست وستين وثلاث مئة، فوردها أبو علي الحسن القِرمطيّ القصير الثياب -ويُلقَّب بالأَعْصَم- فاستدعاني، فحضرتُ عنده ليلةً، وأحضر الفَرَّاشون الشُّموع، فقال لكاتبه أبي نَصْر بن كُشاجِم: يا أبا نَصْر، ما يَحضُرك من صفةِ هذه الشُّموع؟ فقال: إنما يَحضر العبدُ مجلسَ الأمير ليَستفيدَ منه، فقال القرمطي بديهًا: [من المتقارب]

ومَجْدولَةٍ مثلِ صَدْرِ القَناةِ … تَعرَّتْ وباطنُها مُكتسي

لها مُقْلَةٌ هي رُوحٌ لها … وتاجٌ على هَيئةِ البُرْنُسِ

إذا غازَلَتْها الصَّبا حَرَّكَتْ … لِسانًا من الذَّهبِ الأَمْلَسِ

وإن رَنَّقَتْ لنُعاسٍ عَرا … وقُطَّت من الرأسِ لم تَنْعَسِ

وتُنْتِجُ في وقتِ تَلقِيحها … ضِياءً يُجَلِّي الدُّجى الحِنْدِسِ

فنحن من النُّور في أسْعُدٍ … وتلك من النَّارِ في أنْحُسِ

فقام ابن كُشاجِم فقبَّل الأرض بين يديه، وسأله أن يأذنَ له في إجازتها فأذن، فقال:

وليلتُنا هذه ليلةٌ … تُشاكِلُ أشكال إقْليدِسِ

فيا رَبَّةَ العود حُثِّي الغِنا … ويا حامِلَ الكأسِ لا تَحْبِسِ

فخَلَع عليه وعلى الحاضرين، ووصَلَهم بِصِلات.

ومن شعر القرمطيّ أيضًا: [من الكامل]

يا ساكنَ البلدِ المُنِيفِ تَعَزُّزًا … بِقِلاعِه وحُصونه وكُهوفِهِ

لا عزَّ إلا للعزيز بنفسه … وبخَيله وبرَجْلِه وسيوفه

وبُقبَّةٍ بيضاءَ قد ضُرِبَت إلى … جَنْبِ الخيامِ لجارِه وحَليفِه